يشهد النظام الدولي تحولات جيوسياسية واقتصادية جذرية يتصدرها تنافس محموم بين مشروعين طموحين يسعيان إلى إعادة تشكيل موازين القوى العالمية “المشروع الهندوابراهيمي” و”مبادرة الحزام والطريق” (طريق الحرير الجديد)، وفي خضم هذا التشابك المعقد للمصالح الدولية والانحيازات الإقليمية والدولية المتنامية تجاه هذين المشروعين يجد الشرق الأوسط نفسه في قلب هذا الصراع المتصاعد، وفي هذا السياق بالغ التعقيد تبرز سوريا كساحة محتملة لهذا التنافس لا سيما في ظل ديناميكية سياسية داخلية جديدة تتجلى في تولي أحمد الشرع مقاليد القيادة، بالتوازي مع النفوذ المتزايد لهيئة تحرير الشام، تسعى هذه المقالة إلى تحليل معمق لانعكاسات هذا الصراع الدولي على الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وسوريا تحديدًا مع التركيز بشكل خاص على التحديات والفرص التي تفرضها هذه التحولات على مستقبل البلاد تحت قيادتها الجديدة.
تأثير التنافس على التحالفات الإقليمية:
يُلقي هذا الصراع بين المشاريع الكبرى بظلاله على خريطة التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط مما يدفع دول المنطقة إلى إعادة تقييم مواقعها في هذا المشهد الجيوسياسي المتغير، فهل سيؤدي هذا التنافس بالضرورة إلى اصطفاف حاد للدول مع أحد المشروعين؟ الإجابة تحمل تعقيدًا، فبينما قد تجد بعض الدول تقاربًا أيديولوجيًا أو اقتصاديًا أكبر مع أحد المحورين تسعى دول أخرى إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها سعيًا للاستفادة من الفرص التي يتيحها كلا المشروعين المتنافسين، على سبيل المثال قد تواجه دول الخليج تحديًا في الموازنة بين علاقاتها الأمنية الراسخة مع الولايات المتحدة الداعمة للمشروع الهندوابراهيمي وطموحاتها الاقتصادية المتنامية والمرتبطة بمبادرة الحزام والطريق الصينية، هذا التجاذب ينشئ ديناميكية معقدة يُحتمل أن تُسفر عن إعادة تشكيل التحالفات التقليدية أو ظهور تكتلات جديدة ذات مصالح مشتركة مع أحد الطرفين المتنافسين.
التداعيات الاقتصادية المتشابكة:
يحمل التنافس الاقتصادي بين المشروعين تداعيات واسعة النطاق على الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، فمن جهة قد تستفيد بعض الدول من تدفق الاستثمارات المرتبطة بأحد المشروعين مما يعزز نموها الاقتصادي، ومن جهة أخرى قد تتأثر دول أخرى سلبًا نتيجة لتغير مسارات التجارة العالمية أو تفضيل قوى دولية لأطراف أخرى في المنطقة، وفي هذا السياق يبرز التساؤل حول قدرة سوريا تحت قيادة أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام على استغلال الفرص الاقتصادية المحتملة التي قد تتيحها هذه المشاريع الكبرى، أو ما إذا كانت ستصبح ضحية للتنافس المحتدم الذي قد يعرقل جهود إعادة الإعمار والتنمية، إن قدرة القيادة الجديدة على جذب الاستثمارات وتوجيهها بكفاءة لخدمة مصالح الشعب السوري ستكون حاسمة في تحديد مستقبل البلاد الاقتصادي في ظل هذا المشهد الدولي المتقلب.
البعد الأمني والإستراتيجي وتصاعد التوترات:
لا يقتصر التنافس بين “الهندوابراهيمي” و”طريق الحرير” على الجوانب الاقتصادية فحسب بل يمتد ليشمل البعد الأمني والإستراتيجي، الأمر الذي يزيد من حدة التوترات والصراعات بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن تجد قوى إقليمية ودولية متنافسة نفسها تدعم أطرافًا مختلفة في صراعات المنطقة، وذلك بهدف تعزيز نفوذها وتأمين مصالحها ضمن نطاق أحد المشروعين، وفي هذا السياق المعقد يصبح مستقبل سوريا تحت القيادة الجديدة أكثر ضبابية، وقد تتحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتنافسة مما يعيق بشكل كبير جهود تحقيق الاستقرار والسلام المنشود.
سوريا كساحة محتملة للتنافس:
يحتل الموقع الجيوسياسي لسوريا أهمية إستراتيجية بالغة في كلا المشروعين المتنافسين، فهي تُعد ممرًا حيويًا محتملًا لمبادرة “طريق الحرير” التي تهدف إلى ربط الشرق بالغرب عبر طرق تجارية حديثة، كما أنها تقع في منطقة نفوذ ذات أهمية قصوى بالنسبة للمشروع “الهندوابراهيمي” الذي يسعى إلى تعزيز التحالفات الإقليمية لمواجهة النفوذ الصيني والإيراني المتزايد، وتحت قيادة أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام يصبح تحديد موقع سوريا في هذا التنافس الدائر مسألة بالغة الحساسية، فهل ستتمكن القيادة الجديدة من الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الخارجية وتجنب الانزلاق الكامل إلى أحد المحاور أم ستجد نفسها مضطرة للانحياز إلى أحد الأطراف بما يخدم مصالحها الآنية والمستقبلية؟
تأثير الانحيازات الدولية على الأزمة السورية:
إن دعم القوى الدولية لأحد المشروعين العالميين يؤثر بشكل مباشر على مواقفها تجاه الأزمة السورية وأطراف النزاع المختلفة، فهل سيؤدي هذا الدعم المتباين إلى تعزيز مواقف بعض الأطراف على حساب تقويض أخرى؟ وهذا الانقسام الدولي سيعيق إمكانية التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية المستمرة، وفي ظل القيادة الجديدة يصبح الحصول على دعم دولي موحد تحديًا كبيرًا وقد تجد القيادة نفسها تتعامل مع مواقف دولية متباينة تتأثر بأجندات مرتبطة بشكل وثيق بصراع المشاريع الكبرى.
مستقبل سوريا في ظل هذا الصراع:
تتعدد السيناريوهات المحتملة لموقع سوريا ودورها المستقبلي في ظل استمرار التنافس بين “الهندوابراهيمي” و”طريق الحرير” تحت قيادة أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، فمن جهة قد تتمكن القيادة الجديدة من تحويل سوريا إلى نقطة التقاء إستراتيجية بين هذه المشاريع المتنافسة مستفيدة من موقعها الجيوسياسي لجذب الاستثمارات وتحقيق مصالح وطنية عليا، ومن جهة أخرى هناك خطر من أن تتحول سوريا إلى ساحة صراع وتنافس حاد بين القوى الدولية والإقليمية الداعمة لهذه المشاريع، مما يزيد من تعقيد الأزمة القائمة ويعرقل بشكل كبير جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار المنشود، إن قدرة القيادة الجديدة على المناورة الدبلوماسية بذكاء والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، والاستجابة لتطلعات الشعب السوري ستكون عوامل حاسمة في تحديد مستقبل البلاد في هذا المشهد الدولي المضطرب.
خاتمة:
إن صراع “المشروع الهندوابراهيمي” و”مبادرة الحزام والطريق” يُلقي بظلاله الثقيلة على منطقة الشرق الأوسط بأسرها وسوريا ليست بمنأى عن تداعياته العميقة، ففي ظل القيادة السورية الجديدة المتمثلة في أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام يصبح مستقبل البلاد مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بكيفية تعامل هذه القيادة مع هذا التنافس الدولي المتصاعد، فهل ستتمكن سوريا من تجاوز التحديات الجسيمة والاستفادة من الفرص المتاحة بحذر، أم ستظل أسيرة لصراعات إقليمية ودولية تتجاوز حدودها؟ إن الإجابة على هذا السؤال المحوري وغيره من الأسئلة المعلقة ستحدد مسار سوريا في السنوات القادمة.
*كاتب وباحث في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب، عقيد ركن سابق في الجيش السوري، يحمل الماجستير في العلوم العسكرية وماجستير في مكافحة الارهاب، كتب في العديد من مراكز الدراسات والمواقع الالكترونية والصحف العربية، له كتاب “الإرهاب في مملكة الرعب”