صحف

اسرائيل عبء بالنسبة للرئيس الامريكي والسعودية ذخر استراتيجي يضمن مكاسب سياسية واقتصادية

بقلم تسفي برئيل

 


يجب الاعتراف بان دونالد ترامب يعرف كيفية بناء مسرحية، حتى اللاعبون الرئيسيون فيها لا يعرفون ما هي ادوارهم، والى اين ستوصلهم الحبكة، ومتى وكيف ستنتهي القصة. ترامب مثل المخرج الذي يتعاطى المنشطات، يصل الى السعودية اليوم بعد 115 يوم في السلطة، هز فيها العالم وتسبب بزلازل كثيرة، التي في ظروف عادية كانت تحتاج الى عمر كامل من اجل تركيب اجزاءها. عمليا، ترامب لم يحل أي شيء. ففي اوكرانيا ما زالت الحرب مستمرة، والاتفاق النووي مع ايران لم يتم التوقيع عليه بعد، والحرب التجارية هدأت قليلا ولكنها لم تنته، وفي الشرق الاوسط هو فقط قام برعاية الامكانية التي تنتظر التحقق. بهذه الامكانية لا يمكن شراء أي شيء في البقالة. الذخر الاساسي الموجود الان لترامب هو قدرته المثبتة على فرض الرعب وافشال أي توقع عقلاني لسلوكه، وكأن الرئيس الامريكي هو مشهد غير متوقع لتغير المناخ الذي يضرب الكرة الارضية.
الفرضيات الاساسية تشكل اساس الجهود المبذولة لتفسير الكيفية التي ستنتهي فيها زيارته في الشرق الاوسط. الفرضية الاولى هي أن هناك من يعتقدون أن ترامب يسعى الى الانسحاب من مناطق الحروب العالمية والاقليمية. والفرضية الثانية هي أن الاعمال التجارية بكل معنى الكلمة العملي، هي التي تحركه. في الوقت الحالي يبدو أن “الانفكاك” أو انعزال الولايات المتحدة عن المناطق الملتهبة في العالم، يجعلها متورطة عميقا في هذه الصراعات لخلق اجواء السلام والاستقرار التي تحتاجها “الاعمال التجارية” كي تزدهر. على هذه المحاور يتوقع أن يلعب الشرق الاوسط دور محوري. ولكن منذ وصول ترامب الى المنطقة قبل ثماني سنوات تقريبا تغير المشهد وتغير التهديد وتغير اللاعبون الرئيسيون ايضا.
ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الزعيم الشاب الذي بدأ حياته السياسية قريبا من وقت تتويج ترامب كرئيس في المرة الاولى، بدأ في حينه بحرب طويلة، متعبة وعديمة الجدوى مع الحوثيين في اليمن بدعم كامل من ترامب. في 2018، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الاصلي مع ايران، تحول ابن سلمان الى شخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة وفي كل العالم بسبب التورط المباشر في قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي.
مغامرات ابن سلمان لم تنته هنا. فهو “اختطف” رئيس حكومة لبنان سعد الحريري لاجباره على الاستقالة من اجل ان يبعد حزب الله عن الحكومة ويبعد نفوذ ايران. الخطوة انتهت بفشل ذريع. ابن سلمان بادر ايضا الى المقاطعة والحصار على قطر، وضم اليه اتحاد الامارات والبحرين ومصر في خطوة استهدفت ايضا فصل قطر عن ايران. بعد اربع سنوات من الحصار عادت قطر الى “الحضن العربي” بكل القوة، شروط السعودية لازالة المقاطعة تم رفعها، وقطر والسعودية اصبحت شريكة في ادارة شؤون الشرق الاوسط.
منذ ذلك الحين تعلم ابن سلمان درس أو اثنين، قام بتشكيل من جديد السياسة الخارجية للمملكة واعادها الى مكانة الدولة التي تملي السياسة الاقليمية، وعلى الطريق قام ببناء لها شراكات مع دول عظمى مثل الصين وروسيا، الامر الذي طمس التزامها بدولة عظمى واحدة، الولايات المتحدة، والاعتماد المطلق عليها. وقف اطلاق النار الذي وقع عليه مع الحوثيين في 2022 واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع ايران بعد سنة، اوجدت المدماك الاول في سياسة السعودية الخارجية، التي راكمت الفرص التي خلقتها الحرب في غزة.
فرص ضائعة
اسرائيل خلقت فرص كهذه عندما حطمت مكانة حزب الله، وهكذا منحت الحياة للعملية التي ادت الى اسقاط نظام الاسد، وقلصت مدى نفوذ ايران. مع ذلك، اسرائيل لم تتمكن من استغلال الفرص من اجل بناء استراتيجية اقليمية جديدة. السعودية في المقابل، حولت المادة الخام السياسية هذه الى منتج مربح. الدعم السريع والكبير لها للنظام الجديد لاحمد الشرع في سوريا، والدعم الحيوي الذي تمنحه السعودية لنظام جوزيف عون ونواف سلام في لبنان، اضافة الى ضعف ايران، فقد وضعت في يد المملكة الوسائل التي ستشق الآن لترامب المسار للانسحاب من المنطقة، حيث لديه محفظة اقتصادية وسياسية مليئة.
السعودية، التي رفضت الانضمام الى تحالف الولايات المتحدة ضد الحوثيين، ولم تتميز بتطبيق فرض العقوبات الامريكية على روسيا، اوضحت انها لا تنوي اظهار الخضوع المطلق لاملاءات واشنطن، واشارت الى أنها هي التي تقوم بصياغة قواعد اللعب. السعودية، التي عارضت علنا الاتفاق النووي مع ايران في 2015، وهكذا تساوقت مع ادارة ترامب ومع اسرائيل، تشجع الآن الولايات المتحدة على الدفع قدما بالمفاوضات مع ايران والتوصل الى اتفاق يمنع الحرب.
التطبيع مع اسرائيل، الذي وافقت عليه السعودية في فترة الرئيس بايدن، كي تحصل على حلف دفاع مع الولايات المتحدة والمصادقة على مشروعها النووي، لم يعد مطلوب من السعودية من اجل عقد حلفها الجديد مع ترامب. هذا الحلف يشمل مشتريات عسكرية بمبلغ 100 مليار دولار، المصادقة المبدئية على تطوير مشروع نووي سلمي. الآن السعودية هي الذخر الاستراتيجي الذي يلتزم به ترامب، في حين أن اسرائيل تطور وبسرعة مكانة العبء الاستراتيجي لأنها تمسك بيدها المفتاح للاستقرار المطلوب للمنطقة ولترامب من اجل تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية.
السعودية ابعدت نفسها خلال سنين عن الانشغال المباشر بالقضية الفلسطينية. هي لم تكن مشاركة في صفقات المخطوفين، وبشكل عام اكتفت بموقف المراقب، الذي لم يجبرها على صياغة سياسة أو التاثير على سياسة الولايات المتحدة ودول المنطقة. ولكن توسع الحرب وحجم القتل والدمار الذي تسببت به اسرائيل لقطاع غزة، كل ذلك اجبر السعودية على تغيير موقفها والتدخل. قبل الحرب ربطت التطبيع مع اسرائيل فقط بوجود شرط ضبابي غير ملزم، طالب بتحسين ظروف حياة الفلسطينيين. ولكن بعد ذلك حددت للتطبيع شرط جديد، صريح لا هوادة فيه، وهو أنه يجب على اسرائيل اتخاذ خطوات لا يمكن التراجع عنها والتي تنتهي باقامة الدولة الفلسطينية.
الى جانب ذلك رفضت السعودية بشكل قاطع “خطة الريفييرا” لترامب، التي ترتكز على تهجير 2 مليون فلسطيني من غزة. ترامب، الذي في البداية استخف بمعارضة مصر والاردن، لم يكن باستطاعته تجاهل موقف السعودية الحازم. التهجير شطب من جدول الاعمال، ومعه غابت الريفييرا. وقد حل مكانهما الآن كل انواع الطروحات والبرامج والافكار لادارة غزة. آخرها، الذي تم التحدث عنه في وسائل الاعلام العربية وفي وكالة “رويترز” ولكن لم يحصل على أي مصادقة رسمية، يتحدث عن ادخال كثيف للمساعدات الانسانية التي ستوزعها شركات امريكية بحماية امريكية، التي ستعمل داخل غلاف دفاع اسرائيلي. حتى لو خرج الى حيز التنفيذ الآن، فانه لا يستجيب لشرط حماس الاساسي، المطالبة بوقف الحرب وانسحاب الجيش الاسرائيلي من القطاع، وفي المقابل استعدادها للابتعاد عن ادارة غزة ونقلها الى ادارة “جسم فلسطيني”، لكن ليس لقوات اجنبية.
خطة اخرى مفصلة اكثر تتحدث عن اقامة ادارة امريكية يشارك فيها ممثلون فلسطينيون، من غير حماس، أو السلطة الفلسطينية، وممثلون عن دول عربية اخرى، على صورة الادارة الامريكية التي اقيمت في العراق بعد احتلاله في 2003. هذه الادارة ستكون مسؤولة مثلا عن جمع سلاح حماس وترميم البنى التحتية في القطاع. حسب موقع “الشرق” السعودي، الذي اقتبس مصادر رفيعة في حماس، فان الاخيرة عرضت على الولايات المتحدة خطة تقول بأنها ستكون مستعدة لاطلاق سراح جميع المخطوفين مرة واحدة مقابل اطلاق سراح عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين، وقف دائم لاطلاق النار وانسحاب اسرائيل من القطاع، ادارة القطاع على يد قوة مهنية مستقلة تحظى بكل الصلاحيات، اتفاق ترتيبات امنية التي ستضمن الهدوء لسنوات الى حين التوصل الى حل سياسي وادخال المساعدات الانسانية.
حسب هذا التقرير فان حماس ستكون مستعدة لتسليم سلاحها لدول الوساطة – اقتراح يشبه الاقتراح الذي سمعه ادم بهلر، المبعوث السابق لترامب لشؤون المخطوفين، مباشرة من خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس. القاسم المشترك بين كل هذه الخطط هو انه ليس فقط اسرائيل تستبعد كل عملية ستسحب منها السيطرة المطلقة في القطاع، حتى الآن لا توجد أي جهة فلسطينية او عربية مستعدة للمشاركة في التطبيق او على الاقل التمويل طالما ان اسرائيل تواصل سيطرتها في القطاع. محمود عباس، الذي غير معروف اذا كان سيلتقي مع ترامب في السعودية، والذي رفض اقتراح مصر تشكيل “لجنة مساعدة اجتماعية”، يعارض نقل السيطرة الى أي جهة فلسطينية أو عربية لا تخضع للسلطة الفلسطينية. هذا ايضا هو موقف اتحاد الامارات.
بالنسبة للسعودية، عندما الحلف الاقتصادي والعسكري مع الولايات المتحدة والمصادقة المبدئية على الدفع قدما بالمشروع النووي المدني اصبحت توجد في جيبها، وبعد ضمان وقف التهجير، فانه من غير الواضح اذا كانت المملكة سترغب في الانخراط في قلب الصراع الفلسطيني ووضع خطة عمل على مكتب ترامب لـ “اليوم التالي”. بدون وجود شرط سعودي يطالب بحل، فانه مشكوك فيه ايضا اذا كان ترامب نفسه سيرغب في الاستمرار في التدخل في قضية غزة بعد ان وعد على الاقل باطلاق سراح “اسيره” عيدان الكسندر، لأنه على جدول الاعمال المشترك له ولابن سلمان اصبح الاتفاق النووي مع ايران اكثر اهمية من غزة، أو حل القضية الفلسطينية بشكل عام.

صحيفة هآرتس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى