لا توجد عقوبة اكثر جدارة من نتنياهو من دونالد ترامب. ترامب هو نوع من نتنياهو، لكنه اكبر بكثير فقط، نتنياهو شعبوي؟ ترامب شعبوي مع محفزات. نتنياهو متلاعب؟ ترامب اكثر بكثير. نتنياهو نرجسي؟ مقارنة بترامب هو بني بيغن. نتنياهو محتال؟ ترامب اكبر المحتالين. ضمير نتنياهو نقي؟ ترامب ليس له ضمير على الاطلاق. من ناحية نتنياهو، بعده الطوفان؟ ترامب هو الطوفان. باختصار، كما تقول القصيدة إياها، كل ما يعرف نتنياهو، ترامب يعمله بشكل افضل.
يمكن لهذه ان تكون مزحة رائعة من التاريخ، يرافقها حس دعابة سليم، لكن النكتة على حسابنا. وذلك لانه اذا كان نتنياهو يقف على راس آلة السم، فان ترامب يقف على رأس القوة العظمى الهائلة في المعمورة. من خلف ترامب تقف كل رافعات القوة العظمى في مجالات الامن، الاقتصاد، السياسية والنفوذ. من خلف نتنياهو يقف يانون مجيد ويعقوب بردوغو. هذه ليس قوى.
لو لم يكن يدور الحديث هنا عن مصيرنا، لكان هذا عرضا رائعا من العدالة الشعرية. عندما يصطدم نتنياهو باناس من نوع الكلينتونيين – براك أوباما او جو بايدن – فانه يزدهر. هذا مجال راحته. فهو يلفهم بعجين طري، يسحبهم من الانف، يعد ولا يفي، ينهك، يكذب، يندم ويتردد ويتلوى ويتباكى، وفي نهاية الامر تكون النتيجة مشابهة: الزمن يمر وشيء لا يحصل – باستثناء القرف وخيبة الامل.
عندما يصدم بدونالد ترامب يكون هذا معاكسا. فليس لترامب انصات او صبر لترهات نتنياهو. وهو يضيع الوقت؟ بالتالي نواصل بدونه. هو يعد ولا يفي؟ نعاقيه. هو يجر الارجل؟ نفاجئه. وهكذا حصل ان قرأ نتنياهو في الصحيفة عن المفاوضات المباشرة بين الأمريكيين وحماس، وبعد ذلك احتفل بنصر مؤقت مع الابعاد المؤقت لادم بولر. غير أن هذا كان نصرا اشبه بالهزيمة. بولر عاد، المفاوضات مع حماس عادت ونتنياهو قرأ في الصحيفة عن تحرير عيدان الكسندر – وتلقى ضربة مدوية حين تعرف العالم كله على الالتزام الأمريكي لتحرير مخطوفين أمريكيين مقابل انغلاق الحس الإسرائيلي لتحرير مخطوفين إسرائيليين.
وهذا فقط وصف جزئي. إذ ان نتنياهو قرأ في الصحيفة أيضا عن الاتفاق بين الأمريكيين والحوثيين، والذي في اطاره القي بنا الى الكلاب، أما عن المفاوضات المباشرة بين الأمريكيين والإيرانيين فهو حتى لم يتمكن من أن يقرأ عنها في الصحيفة لانه شكل زينة حية وشاحبة لاعلان ترامب عن المفاوضات في الموقف البائس إياه في البيت الأبيض.
والان تخيلوا ان يقرر ولي العهد المنفي في ميامي تفعيل آلة السم البيبية ضد ترامب. فكم من الوقت سيستغرق ترامب نفيه الى كوبا؟ إذ لدى الرئيس الحالي لا توجد توازنات ولا توجد كوابح، لا توجد قواعد ولا توجد آداب مائدة. هو يفعل ما يروق له. وصحيح حتى الان نتنياهو لا يروق له في نظره.
وبالفعل، الرد الصهيوني المناسب لم يتأخر في المجيء. امس، قبل 11 صباحا بقليل، قال يانون مغيل في الإذاعة ان “ترامب مهرج”. ولما كنت مشاركا في هذا البث التاريخي سارعت لاسأل نفسي الى اين نواصل من هنا؟ هل غدا ستشرق الشمس؟ الى اين اختفى “دونالد بن بغل”؟ الى اين اختفت أصوات الفرح التي انطلقت في ارجاء القناة 14 وفي باقي اجنحة آلة السم في ليلة الانتصار الأخير لترامب؟
الى أين تبخر “الرب تبارك اسمه يحبني دوما” التي عزفت في حينه على مدار الساعة؟ والاهم: هل هذه بداية منطلق سلس؟ هل يحتمل ان يكون بعد أن عرفوا نائب المسيح كـ “مهرج”، سيكون من شأنهم لاحقا ان يتوصلوا الى الاستنتاج بان المسيح نفسه، ابن عم من لحم ودم أي نتنياهو، هو ضحل المهرج؟
لا توقفوا انفاسكم. هذا على ما يبدو لن يحصل. وكما تقول النكتة إياها (“الاعتداء هو اعتداء”)، والطائفة هي طائفة. هم لا يذهبون الى أي مكان. هم سيبقون امام ضحل المهرج حتى النهاية المريرة. ليس لهم خيار آخر.
في الأيام القريبة القادمة ستعقد في الشرق الأوسط حفلة كبرى. ومن لا يدعى اليها؟ إسرائيل. السعودية، قطر، اتحاد الامارات، ويوجد حديث عن اردوغان، عن أبو مازن، عن الشرع السوري. صفقات بالتريليونات على الطاولة. نظام إقليمي جديد. كان يمكننا أن نكون هناك، على رأس الطاولة. لكن نتنياهو يفضل بن غفير وسموتريتش. نتنياهو رهينة الضحلين غريبي الاطوار الأكثر عزلة، ونحن عالقون معه.
في عهد رؤساء آخرين كان يمكن لهذا ان يمر بسلام نسبي. لدى أوباما، بايدن وكلينتون كان التزام أساسي لإسرائيل. كانت خطوط حمراء لا يتم تجاوزها. حتى لو كان نتنياهو ينهك، يجنن، يكذب ويكره عليهم حياتهم، عاقبوه رمزيا، ضمن الاطار.
اما لدى ترامب فالقواعد مختلفة. أي، لا توجد قواعد. يمكنه أن ينقلب، يمكنه أن “يكتشف” نتنياهو من جديد، يمكنه أن يغير الاتجاه، ا ن يجري التفافة حدوة حصان ويبدأ كل شيء من جديد. ينبغي الامل في ان يحصل هذا لان الاتجاه الحالي يؤدي الى كارثة. لشدة الأسف، الفشل كله لنتنياهو لكن الكارثة – لنا.
صحيفة معاريف