السلايدر الرئيسيمنوعات

ما الذي احتوته مائدة عشاء ترامب في السعودية غير مائدة الحوار؟

من سعيد عباس

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد عباس ـ  في أول أيام زيارته الرسمية إلى العاصمة السعودية الرياض، لفتت قائمة الغداء التي أُعدت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنظار المتابعين، لما حملته من تنوع ثقافي ومزج فريد بين النكهات العالمية واللمسات المحلية، في مشهد يعكس اتساع أفق الضيافة السعودية وقدرتها على توظيف المطبخ كأداة دبلوماسية ناعمة.

ووصل ترامب إلى الرياض صباح الثلاثاء، في أول جولة خارجية له منذ توليه مهامه في البيت الأبيض، والتي تمتد لأربعة أيام تشمل أيضًا قطر والإمارات. وقد استُقبل في مطار الملك خالد الدولي بحفاوة رسمية، حيث احتسى القهوة السعودية خلال جلسة ودية جمعته بولي العهد الأمير محمد بن سلمان في صالة التشريفات، ضمن استراحة ترحيبية قصيرة.

ولاحقاً، نُظم للرئيس الأمريكي ووفده المرافق مأدبة غداء رسمية في قصر اليمامة، تم فيها إعداد قائمة طعام اختيرت بعناية لتعكس توازنًا بين الأصالة والحداثة، والشرق والغرب، في مشهد يعكس الطابع الدبلوماسي الذكي الذي باتت الرياض تحرص على إظهاره في المناسبات الرسمية رفيعة المستوى.

تناغم نكهات يعكس حوار الحضارات

افتتحت المأدبة بطبق لحم الميسو، وهو طبق ذو أصول يابانية يعتمد على عجينة فول الصويا المخمرة، وقدم مع خضروات موسمية طازجة وشرائح من اللحم المقدد، في مزيج يعبّر عن رؤية معاصرة للمطبخ العالمي من داخل مطبخ الشرق الأوسط.

أما الطبق الرئيسي، فكان لحم أنغوس الأمريكي المشوي، وهو أحد أشهر أصناف اللحوم في الولايات المتحدة، قُدم إلى جانب بطاطس ذهبية مقرمشة وسلطة أعشاب خفيفة، في دلالة واضحة على احترام ثقافة الضيف ومزاجه الغذائي المألوف، ولكن من خلال تقديمه بروح ضيافة عربية أصيلة.

وتميزت نهاية الوجبة بلمسة إبداعية عبر تقديم بارفيه زيت الزيتون البكر، وهو عنصر يشيع استخدامه في المطبخ السعودي، مصحوبًا بـسلطة فراولة منعشة، مما قدم توازناً مثالياً بين المذاق الحلو والنكهات الترابية العميقة.

ضيافة بطابع استراتيجي

لم تكن المائدة مجرد دعوة للطعام، بل حملت في مضمونها رسالة سياسية ناعمة مفادها أن السعودية، بحكم موقعها وثقلها، قادرة على أن تكون “مائدة حوار” بين الثقافات، تمامًا كما هي لاعب محوري في ملفات السياسة والاقتصاد والطاقة. وكانت الأطباق بمثابة أدوات تواصل تُترجم الاحترام المتبادل، والحرص على استرضاء الحواس كما تُسترضى السياسات.

وتعود ذاكرة بعض المتابعين إلى زيارة ترامب الأولى إلى السعودية في عام 2017، حينما حظي أيضًا بمأدبة مشابهة من حيث تنوعها وإبداعها. آنذاك، افتُتحت القائمة بـسلطة كابوناتا صقلية مع جبن البوراتا وزيت الريحان، تلاها تقديم كافيار مع كريمة الليمون كمقبلات فاخرة، ثم طبق ريزوتو البارميزان مع كبد الإوز، وكلها نكهات من المطبخ الأوروبي الكلاسيكي.

وكان الطبق الرئيسي آنذاك عبارة عن شرائح لحم الضأن المُعدّة بعناية مع معجون الطماطم المجففة، إلى جانب تشكيلة غنية من الأطباق الجانبية التي أكملت التجربة الفاخرة.

ورغم فخامة الأطباق المستوردة، فإن المائدة لم تخلُ من الهوية المحلية، إذ تم إدراج أطباق سعودية أصيلة مثل الكبسة بالدجاج، والصيادية مع الناغل من المطبخ الساحلي، فيما اختُتمت المأدبة آنذاك بـآيس كريم التمر، الذي جمع بين نكهة تقليدية وتقديم عصري.

المطبخ كرسالة دبلوماسية

ما يلفت النظر في كلا القائمتين، أن المطبخ لم يكن فقط وسيلة إطعام، بل أصبح جزءًا من لغة البروتوكول الدبلوماسي. فقد استخدمت السعودية مائدة الطعام كأداة لإبراز مرونتها الثقافية، وقدرتها على الدمج بين العراقة والانفتاح، في تعبير رمزي عن استراتيجيتها الأوسع في السياسة الدولية: “الاحتفاء بالتنوع، والانفتاح على العالم، دون التفريط في الهوية”.

وهكذا، لم تكن مائدة الرياض للرئيس الأمريكي مجرد غداء، بل كانت انعكاسًا لحوار حضاري يُقدَّم بأوانٍ فاخرة، ونكهات تحمل في طيّاتها أكثر من مجرد طعام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى