أقلام مختارة

الأردن: مخاطر تشريعات “الغضب”

بسام البدارين

كيف… متى ولماذا يضيق صدر المؤسسات الأردنية إلى حدود لم يألفها المشتبكون مع القضايا الوطنية منذ عقود؟
سؤال أصبح لزاما على المخلصين والأوفياء مهنيا ووطنيا تحصيل إجابة توافقية عليه بدلا من تبادل أوهام التشكيك والاتهامات.
الأردني لم يألف في ماضيه ومن أيام الآباء والأجداد أن يعتقل أو يتم توقيفه بسبب رأي سياسي أدلى به، أو بسبب موقف أزعج حكومة أو موظفا ما.
الأردني عموما يتغذى على الاحترام الشديد للدولة والمؤسسات، لا بل يعتبرها رصيده في الإطار الوطني، وأي استمرار في التغاضي عن حقائق ووقائع العلاقة العقدية العفوية بين المواطن ودولته لسبب مؤقت، أو لصالح ارتجال عشوائي في لحظة ارتياب من جهة المواطن أو الدولة، لا مبرر له ويمكن الاستغناء عنه. تغيير العادات والتقاليد الراسخة، خصوصا عند العقل الجماعي للأردنيين أمر حساس وخطر ومكلف.
الحكومات التي تتعاقب يتوجب عليها تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والوطنية في تجنب المساس بتلك التقاليد الوطنية الموروثة.
قيمة الإنصاف والعدالة والتسامح والمرونة أساس عايشه المواطنون فتحولوا إلى معادلة «الأردن يعيش فينا لا نعيش فيه».
نقول ذلك ونحن نراقب ما يفعله في الدولة والمجتمع أكثر مع الوقت قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، حيث فرصة تعسف ملحوظة أحيانا ضد أصحاب الرأي وبلا مبرر، وحيث صمت عند التطبيق بيروقراطيا ضد أفراد يفترض أن القانون صيغ لضبطهم.
قبل أيام فقط بقي في السجن لـ4 أيام النقابي أحمد زياد أبو غنيمة، وقبله حوكم وسجن الكاتب الزميل أحمد الزعبي، وقبلهما توقيفات ثم محاكمات طالت شريحة من الإعلاميين والنشطاء.
مسطرة القانون يتوجب أن تطال الجميع طبعا ودوما، لكن في بند العادات والتقاليد الراسخة ممارسات للسلطة في تطبيق القوانين تأخذ بالاعتبار العديد من العناصر، وتتقصد أن تبقى في أبعد مسافة ممكنة من التعمق في استخدام نصوص القوانين أو من الشخصنة عند استعمالها خلافا لاستعمال بعض النصوص أحيانا لمعاقبة صاحب رأي على رأيه، وهو ما لا يألفه الأردني في دولته ومؤسسته.
في كل الأحوال لا أحد يمكنه الاعتراض على تطبيق القانون. ولا أحد ينبغي أن يقترب لأي مسافة من سيادة واستقلال القضاء. لكن خطوات ما قبل التقاضي تبقى في دائرة اجتهاد موظفين أو تنفيذيين في أجهزة تتبع الحكومة… هنا تكمن أهمية الحرص على تجنب أي حالة من الاستهداف، لأن الإصرار على التوسع في تطبيق القوانين ونصوصها الغليظة ضد أصحاب الرأي تحديدا أو لأغراض معاقبتهم أحيانا على مواقف عبروا عنها، مسائل يتوجب أن تحسم بعناية فائقة، لأن هذا النمط من إدارة وتوجيه تطبيق النصوص القانونية، يمكن أن يسحب من رصيد الدولة عند الناس في كل بساطة خلافا، لأنه يساهم طبعا وبالتأكيد في المساس بسمعة الحريات العامة في الأردن.

تطبيق القوانين مسألة، والسماح بنفاذ مسارات شخصانية قبل تطبيقها مسألة أخرى تماما.
الشخصنة وباء حقيقي وخطر يضر الجميع.
قانون الجرائم الإلكترونية فوضوي ويحتاج إلى مراجعة وبعض نصوصه المطاطة يجب أن لا تستخدم تعسفا، خلافا لأن النص واجب على التفريق ما بين إساءة واضحة في التعبير، دوافعها شخصية أو مرضية وأخرى تندرج ضمن قوائم التوصيف والتشخيص والنقد المباح شرعا.
قانون الجرائم الإلكترونية يمكن ـ وقد ثبت ذلك عمليا ـ أن يتحول إلى سيف مسلط على الحريات والمؤسسة التي تغضب هنا أو هناك، ومعها الموظف الذي يعجبه أو لا يعجبه سيجدان في نصوص القانون عندما يرغبان ما يخدم في معاقبة أي كاتب أو صاحب رأي حتى عبر تقنية الشكاوى الفردية التي يوجب القانون نظام العدالة على التحقق والتحقيق فيها.
ليس جيدا إطلاقا لسمعة البلاد والعباد أن يرى الأردنيون بعض أطيبهم وأكثرهم ثقافة وفكرا وزهدا بالامتيازات خلف قضبان السجون، لا لسبب واضح، ولكن لأن نصوص القانون المشار إليه تتوسع في السماح بالاجتهاد.
وليس جيدا بمختلف الأحوال أن يشعر أصغر مواطن بأنه يخشى التعبير عن رأيه بسبب تشريع يتربص به، وعلى العكس تماما الدولة هي التي تستفيد من إظهار الأردنيين لآرائهم مادامت متزنة ووطنية، أو مادامت تعترض وتختلف مع الاجتهاد الرسمي بدون إساءة.
واضح ومتفق عليه الآن أن قانون الجرائم الإلكترونية بصيغته الحالية أنتج معارضين، وهم ليسوا كذلك، وخلط الحابل بالنابل، ولم يعد ذلك التشريع الذي خطط من وضعوه لوظيفة نبيله له، هي حماية المجتمع والوطن من إساءات الشبكة.
القانون لا يميز بين معلق منحرف وبين صاحب رأي في المجتمع ينصح ويرشد ولديه وجهة نظر تبقى مفيدة.
مراجعة قانون الجرائم الإلكترونية أصبحت حاجة ملحة للدولة، لكن الأهم أن الشعب الأردني في حاجة ملحة لاستعادة دولته المرنة المتسامحة التي لا تعاقب بغضب، وتصغي للجميع وتتجنب وضع تشريع أو تنفيذه بسورة الغضب.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى