محمد منصور.. قصة كفاح من الإسكندرية إلى لندن ومن عامل بيتزا إلى ملياردير عالمي
لندن يورابيا ـ من الإسكندرية إلى لندن، ومن عامل في محل بيتزا إلى أحد أبرز رجال الأعمال في الشرق الأوسط، تمثل رحلة محمد منصور نموذجًا ملهمًا لقصة كفاح، لا تخلو من المحن، لكنها شاهدة على ما يمكن أن يصنعه الإصرار والعمل الجاد والتعلم من الأزمات.
رجل الأعمال المصري، الذي تُقدّر ثروته اليوم بنحو 3.5 مليار دولار وفق تصنيف فوربس، واجه في حياته تحديات بحجم الجبال، لكنه أصر على عبورها، محولًا كل أزمة إلى فرصة.
مرض.. فقر.. ثم انطلاقة
بعد تخرجه من جامعة “كارولينا الشمالية” في الولايات المتحدة، تلقى منصور صدمة صحية كبرى بتشخيص إصابته بسرطان الكلى. لكنه، كما قال في مقابلة مع برنامج “الدرجة الأولى” على قناة “العربية”، “بفضل الأمل والطبيب المعالج، تعافيت تمامًا من المرض”.
لم يكن ذلك التحدي الأول؛ فقبل تشخيص المرض بثلاث سنوات، أرسل له والده خطابًا مفاجئًا يبلغه فيه بوقف التحويلات المالية بسبب تأميم ثروة العائلة من قبل الرئيس جمال عبد الناصر، بما في ذلك شركة القطن الشهيرة التي أسسها والده، والذي كان حينها أحد كبار المصدرين عالميًا.
وجد الشاب نفسه مفلسًا، يعمل في محل بيتزا لإعالة نفسه وإخوته، معتمدًا على الإكراميات، بعدما كان يعيش في كنف أسرة أرستقراطية. هذه التجربة القاسية علّمته قيمة الاستقلال والمثابرة، على حد تعبيره.
حادث الطفولة الذي غيّر تفكيره
في عمر العاشرة، تعرّض محمد منصور لحادث كاد يؤدي إلى بتر إحدى ساقيه، لكنه قاوم القرار الطبي بشجاعة. قضى 3 سنوات طريح الفراش، غير أنه لم يهدر وقته، فاستثمره في القراءة وتطوير نفسه، وهو ما شكّل جزءًا جوهريًا من شخصيته التي لا ترى أي لحظة في الحياة بلا قيمة.
الشراكة الكبرى: من القطن إلى السيارات
بعد عودته إلى مصر، التحق بالعمل مع والده، ثم أسس مشروعًا صغيرًا لتجميع السيارات بشراكة مع “جنرال موتورز”، كان يستهدف في بداياته تصنيع 50 سيارة سنويًا. اليوم، يحتفل منصور بإنتاج مليون سيارة، فيما باتت شركته أكبر موزع لجنرال موتورز في العالم.
امتدت الشراكة لتشمل “كاتربيلر”، حيث أصبحت علامة منصور التجارية أيضًا الأكبر عالميًا في توزيع معداتها الثقيلة.
استثمار ذكي واستباقي
أسس منصور مكتبه الاستثماري Man Capital في لندن، ليدير ثروات العائلة، ويُسرّع قرارات الاستثمار. وبتوجه ذكي واستباقي، كانت الشركة من أوائل المستثمرين في شركات تكنولوجية عملاقة مثل فيسبوك، تويتر، سبوتيفاي، إير بي إن بي، وأوبر.
ومنذ 2010، وسّع نطاق استثماراته لتشمل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، التعليم، ومشاريع ريادية في أوروبا والشرق الأوسط، أبرزها سلسلة مقاهي “كافينيرو” البريطانية ومزارع رياح.
الذكاء الاصطناعي على رأس الأولويات
يراهن محمد منصور اليوم على مستقبل الذكاء الاصطناعي، من خلال شركة رأس مال مخاطر أنشأها في سان فرانسيسكو تحت اسم “1984”، والتي تركز على الاستثمار في الشركات الرائدة في هذا القطاع الثوري.
رد الجميل
بعيدًا عن المال، يؤمن منصور بمسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، فأسس مع أبنائه مؤسسة Right to Dream لدعم الشباب في التعليم والرياضة، وتمتلك المؤسسة فرق كرة قدم في مصر والولايات المتحدة، ولها تمثيل في كأس العالم 2022 عبر 7 لاعبين.
اليوم، تضم المؤسسة أكثر من 140 لاعبًا محترفًا في الدوريات الكبرى، من الدوري الإنجليزي إلى غيره.
نصائح منصور: لا نجاح دون مخاطرة
في حواره مع فاطمة الزهراء الضاوي، شدد محمد منصور على أهمية التفاؤل، الصبر، والإحاطة بفريق ذكي. يقول: “أستمع أكثر مما أتكلم. أفهم من فريقي، ثم أتخذ القرار”.
ويحذر من الغرور والسعي إلى النجاح السريع، لأن ذلك غالبًا ما يؤدي إلى كوارث. ويضيف: “لا يوجد عائد من دون مجازفة، لكن المجازفة الذكية هي التي تصنع الفرق”.
محمد منصور هو أكثر من مجرد ملياردير؛ إنه قصة إنسانية تُلخّص المعنى الحقيقي للإرادة، والقدرة على تحويل المحن إل منصات انطلاق. يؤمن أن لكل إنسان “الحق في أن يحلم”، لكن الحلم وحده لا يكفي، لا بد من التحرك، كما نصح أينشتاين: “الحياة مثل الدراجة الهوائية.. لتحافظ على توازنك، عليك أن تواصل التحرك”.