تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى الشرق الأوسط في ذروة تغيير بعيد المدى في العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية. في السنوات الأخيرة يبدو أن الحكام في الشرق الأوسط يديرون سياسة خارجية اكثر تركيبا. العيون لا تتطلع فقط الى واشنطن بل اكثر فأكثر الى بيجين وموسكو.
الباحث الكبير عزيز الغشيان لا يعتقد انه ستطرأ انعطافة هامة في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية في اعقاب زيارة الرئيس ترامب. وهو يعتقد أن السعوديين سيجسدون كونهم “مستعدون لعقد الصفقات ولكن ليس بكل ثمن”.
الغشيان يذكر هجمة المُسيرات الإيرانية على منشآت النفط في المملكة قبل ست سنوات. ويقول ان “احد أسباب التقارب بين السعودية وايران كان عدم رد ترامب في العام 2019 او الرد المتردد”. وكما يذكر استأنفت الرياض وطهران العلاقات بينهما في اتفاق تم بوساطة الصين في اذار 2023.
“اعتقد أن هذه كانت خيبة أمل”، يروي الباحث السعودي لـ “إسرائيل اليوم” عن احداث 2019. وهو يقدر انه في اثناء الزيارة لن يبحث الطرفان في التطبيع مع إسرائيل. في هذا السياق قال مصدر فلسطيني لشبكة “سكاي نيوز” في العربية ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعد نائب رئيس السلطة حسين الشيخ بانه لن يكون تطبيع مع إسرائيل دون انهاء الحرب في غزة ومسيرة سياسية لاقامة دولة فلسطينية.
في كل ما يتعلق بوقف النار في اليمن يقول الباحث السعودي ان السعوديين رحبوا بالاتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين. ويشير الى جانب ذلك الى أن هذا مثال آخر يجعل السعوديين يشكون بنوايا واشنطن. وعلى حد قوله فان التخوف السعودي بالنسبة لليمن ينبع من أنه يمكنهم نظريا ان يجندوا قوات برية ضد الحوثيين وفي النهاية لا يكون تغيير حقيقي أو لا تكون نتائج من الولايات ا لمتحدة.
كما أن القرارات الأخيرة لادارة ترامب من شأنها أن تضعف مكانة الولايات المتحدة. فحسب معهد البحوث “باروميتر العرب” فان القرار بتجميد عمل الوكالة الامريكية للتنمية الدولية usaid من شأنه أن يمس أكثر فأكثر بمكانة الولايات المتحدة. وحسب المعهد، فانه منذ حرب7 أكتوبر والحرب التي جاءت في اعقابها يوجد الراي العام العربي الإيجابي تجاه الولايات المتحدة على أي حال في ميل هبوط مقارنة بالموقف تجاه الصين.
في الشهر الماضي فقط أجرت الصين ومصر مناورة جوية باسم “نسور الحضارة 2025”. وبدأت التدريبات في نيسان وتواصلت حتى بداية أيار. يدور الحديث عن مسيرة طويلة المدى يقودها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. منذ صعوده الى الحكم قبل نحو عقد، زيار الصين ثماني مرات. سلفه حسني مبارك الذي تولى الحكم 30 سنة اكتفى بست زيارات فقط.
وأشار معهد البحوث الأمريكي “المجلس البديل” في تقريره مؤخرا بان بداية 2025 سجلت “العقد الذهبي” في العلاقات بين الدولتين. وقدر المعهد بان الصين ستعمق حضورها في بلاد النيل. في كانون الأول الماضي فقط وقعت عقود ومذكرات تفاهم بقيمة مليارات الدولارات.
غضب عربي
إضافة الى ذلك فان اعلان ترامب عن خطة الاخلاء من غزة وعن رغبته في ان تستوعب مصر والأردن الفلسطينيين اثار غضب في القاهرة. فقد اجل السيسي زيارته الى واشنطن حتى اشعار آخر. وفي الشبكات الاجتماعية دارت حملة لاذعة ضد أمريكا وإسرائيل. عمليا لا توجد مصر على الاطلاق في مسار جولة ترامب في الشرق الأوسط. ويقول الكاتب المصري الكبير محمد سعد خير الله ان “العلاقات المصرية الامريكية تشهد ازمة حادة منذ صعود إدارة ترامب. وقد اتسعت هذه الازمة لدرجة انها تقترب من المغامرة السياسية من جانب القاهرة مع الحليف الأقوى في العالم، ذاك الذي لم يخيب ابدا آمال حلفائه. يبدو أن النظام المصري يتعارض ومصالحه العليا لاجل الدولة المصرية”.
على حد قوله فانه “في غضون فترة زمنية قصيرة بعثت القاهرة بأربعة بلاغات “تأجيل” لواشنطن ما يمكن ان نسميه أربع لاءات القاهرة. لا لاستيعاب اللاجئين من غزة. لا للطلب الأمريكي الشرعي لمشاركة مصر. التحالف الأمريكي ضد الحوثيين. لا لرغبة أمريكا لعبور حر للسفن الامريكية عبر قنوات السويس ولا لرئيس الدولة نفسه. فقد رد الرئيس السيسي على دعوة الرئيس ترامب لزيارة واشنطن بدعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين ومشاركته في يوم النصر بل دعا وحدة من قوات الجيش المصري للمشاركة في الاحتفالات بما ينطوي عليه ذلك من معان رمزية وسياسية واضحة”.
ويحذر الكاتب المصري من أن “تصعيد الإشارات يتواصل؛ من الإعلان عن صفقات سلاح جديدة مع الصين وكوريا الجنوبية وحتى مناورات عسكرية مشتركة لقوات نخبة في تركيا، كل هذه الخطوات نفذت في الأسابيع الأخيرة. الرسالة الوضح التي تبعث بها القاهرة الى ساكن البيت الأبيض هي: “نحن نوشك على الانضمام الى المعسكر الاخر”. لا شك أن لهذا الميل ستكون آثار خطيرة على ما سيأتي سواء على مستقبل العلاقات بين الدولتين ام على الاستقرار الإقليمي والدولي لمصر”.
إسرائيل اليوم