رؤية ترامب للشرق الاوسط تقفز عن القدس… وابنائه في الخليج يعقدون الصفقات
بقلم هاني زبيدة ويوسف إسرائيل
رجال اعمال محليين يرتدون العباءات والكوفيات وينظرون الى نموذج لموقع غولف فاخر، الى جانبهم شخص آخر، غير محلي، يرتدي بدلة، اريك ترامب نجل الرئيس الامريكي في الدوحة الاسبوع الماضي. يجب عدم المبالغة في اهمية الموقف. الحديث يدور عن موطيء قدم اول ومهم لشركة ترامب في السوق القطرية الجذابة: صفقة لبناء ملعب غولف في مشروع سيما اسما، الذي يقام في هذه الفترة غير بعيد عن الدوحة، بتكلفة 3 مليارات دولار.
ملعب الغولف ليس هو “القسيمة” الوحيدة التي تاخذها عائلة الرئيس في هذه الفترة في الخليج. خلال الايام التي كان فيها اريك ترامب في قطر، كان الابن الثاني للرئيس، الاكثر صراحة، دونالد ترامب الصغير، يتسكع ايضا في المنطقة. في قائمة مشترياتهما، فندق فاخر في دبي، ومبنى فاخر في جدة، وبالطبع تسويق اعمال العملات المشفرة (الكريبتو).
يبدو أنه في اكثر احلامه الوردية لم يامل ترامب ببداية حالمة جدا لزيارته المتوقعة في الشرق الاوسط، في السعودية والامارات وقطر، الى جانب القفز الفظ عن اسرائيل. لو انه كان يمكن ان يكون ذبابة على الحائط في غرف المفاوضات في عواصم الخليج التي سيصل اليها ترامب، فانه من المرجح أن المفاهيم الرئيسية التي سيتم طرحها هناك ستكون “النفط”، “الاستثمارات”، “الدولارات”، القليل جدا من “اسرائيل” و”غزة” و”الفلسطينيين”. يمكن التقدير بأنه حتى قضية ايران المقلقة جدا للسعودية، سيتم اهمالها لصالح الهدف الذي من اجله جاء ترامب، الصفقات التجارية.
عندما ندرك نقطة الانطلاق فانه يكون من السهل العثور على منطق ترامب، الموجود في الخطوات الاخيرة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط. الرئيس رجل الاعمال يعرف جيدا أن الحرب، النار والدم، سيئة للاعمال التجارية، في حين أن الدبلوماسية والهدوء والابتسام اثناء التصوير هي جيدة جدا بالنسبة له. بسبب ذلك هو سيسارع الى التوقيع على اتفاق غريب مع منظمة مارقة مثل الحوثيين، أو الاسراع الى التوقيع على اتفاق نووي مشتبه فيه مع نظام آيات الله أو السماح بمشروع نووي مدني في السعودية، بدعم بيع سلاح بمليارات الدولارات، بدون حاجة الى التطبيع مع اسرائيل.
هذا ايضا هو السبب في ان الحل الاصلي والمتخيل لترامب لوحل غزة هو حل عقاري، بدون أي تفكير اجتماعي او سياسي: اخلاء سكان قطاع غزة واقامة ريفييرا شرق اوسطية. في هذه الحالة فان مصالح الادارة الامريكية تتقاطع مع مصالح حكومة اليمين برئاسة نتنياهو، في الحالات السابقة كانت تتقاطع بدرجة اقل. هذا الامر لا يعني ترامب حقا.
نتنياهو والحكومة في اسرائيل اصبحوا غير مرغوب فيهم في البيت الابيض في زمن ترامب. ما تم همسه في الغرفة المغلقة في واشنطن بعد اللقاء بين ترامب ونتنياهو، الذي تلقى فيه نتنياهو بيان مفاجيء عن المفاوضات مع ايران، اصبح حقيقة معروفة للجميع: ترامب سئم من نتنياهو وديرمر، وقد قرر الدفع قدما بخطوات في الشرق الاوسط بدون اسرائيل. الادارة الامريكية اعتبرتهما متشددين وغير مستعدين للدفع قدما باي تسوية يطرحها البيت الابيض. الحديث لا يدور عن تصادم ايديولوجي بين الصقور والحمائم، بل رفض نتنياهو تعريض للخطر استقرار ائتلافه. الثمن نحن ندفعه.
الرياح الجديدة التي تهب من الاروقة في واشنطن توضح اقالة مايكل وولتس، مستشار الامن القومي الامريكي، الذي حسب التقارير نقل لنتنياهو في محادثات سرية تحديثات عن المفاوضات مع ايران، وبسبب تفضيله لرؤية نتنياهو بالنسبة لايران على رؤية ترامب. من ناحية الرئيس، الذي يكره عدم الاخلاص، فان هذا خط احمر. تدخل نتنياهو يشير ايضا الى نهاية عهد نتنياهو – ديرمر في البيت الابيض، واخراج نتنياهو من دائرة الزعماء الذين يحتضنهم ترامب.
في حين أن مؤيدي اسرائيل وممثليها الرسميين يتم ابعادهم عن البيت الابيض، فان قوى اخرى في الخليج وفي الشرق الاوسط تعزز تاثيرها في الحل المطروح للشرق الاوسط، وتصبح اول المتحدثين في هذه القضية في ادارة ترامب، مثلما فعلت في اوساط الاكاديميا في الولايات المتحدة. هذا هو الكابوس الكبير لاسرائيل ونتنياهو، الذي فعل شيء لم يكن يجب عليه فعله، وباعتباره “اعظم” رجال الدولة على الاطلاق، او كما يقولون “من مستوى مختلف”، فقد خاض المقامرة وفشل. وهو اول رئيس وزراء في اسرائيل يكسر التقليد المتمثل في الامتناع عن دعم أي حزب في الولايات المتحدة والوقوف الى جانب أي منهما. لقد وقف رئيس الوزراء الى جانب الجمهوريين في عهد ادارة براك اوباما، عندما جاء لمخاطبة الكونغرس رغم استياء الرئيس، واستمر في التصادم مع جو بايدن ودعم ترامب علنا في حملته الانتخابية الاخيرة.
نتنياهو هكذا جر اسرائيل الى موقف واحد ووحيد، والآن هذا الموقف يتفجر في وجهه. الثمن نحن ندفعه – هل يرى أي احد نتنياهو يصل الى الكونغرس لالقاء خطاب ضد الاتفاق الذي يسوق له ترامب مع ايران أو السعودية أو الحوثيين؟. في الاستوديوهات في اسرائيل يحاولون بيع مرة اخرى تفسير متآكل لتحليل السلوك المتغطرس لترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. “هو رجل اعمال”، يشرحون. “هو يطبق اسلوب المفاوضات التجارية في العالم الدبلوماسي”. لكن الحقيقة هي ان الامر يتعلق بفرضية جزئية في افضل الحالات. ترامب هو رجل اعمال. نقطة. هو لم يتوقف عن أن يكون كذلك حتى عندما دخل للمرة الثانية الى البيت الابيض. بالنسبة له مصالح امريكا الوطنية تندمج بالمصالح الشخصية – التجارية. الرئيس حتى لا يعمل على اخفاء ذلك، مثلا عندما يدفع قدما بعملة الكريبتو التي يمتلكها، وخلال ذلك يستغل مكانته.
يوجد لترامب حلم ورؤية مرتبة في الطريق الى الشرق الاوسط، تشمل بالاساس التطلع الى الاستقرار السياسي بأي ثمن من اجل تطوير ازدهار اقتصادي، وكل ذلك من خلال البراغماتية والمرونة القيمية والاخلاقية – زينة غريبة وهامشية على الاغلب بالنسبة له. هذا الحلم يمر في جدة والدوحة وأبو ظبي، ويقفز عن القدس. الآن سيكون لنتنياهو الوقت للعمل على كتابه الجديد “شوقي لبايدن”.
هآرتس