السلايدر الرئيسيكواليس واسرار

موسى الكوني بين نقد الاحتلال الأجنبي والطموح السياسي.. صراع السلطة والهوية في ليبيا ما بعد القذافي

من سعيد السويحيلي

 

طرابلس ـ يورابيا ـ من سعيد السويحيلي ـ يرى مراقبون مهتمون بالشأن الليبي ان تصريحات نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني الأخيرة والتي وصف فيها بلاده بانها “محتلة” لا تبدو معزولة عن تحركات سياسية أوسع، فالرجل يُنظر إليه اليوم كأحد القادة الذين قد يسعون لتمثيل الجنوب الليبي في أي ترتيبات سياسية قادمة، خاصة في ظل الانسداد السياسي وتأجيل الانتخابات المقررة منذ سنوات.

الكوني اشًار إلى وجود قوات روسية وتركية في البلاد، ما أثار عاصفة سياسية داخلية وانتقادات رسمية من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.

جاءت هذه التصريحات خلال مشاركة الكوني في المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الليبية – الأميركية، الذي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن، الشهر الماضي حيث تحدث الكوني بصراحة لافتة أمام جمهور ضم دبلوماسيين ومسؤولين أميركيين، من بينهم المبعوث الأميركي إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، ومعارضين ليبيين.

لم تقتصر انتقادات الكوني على التدخلات الأجنبية، بل وجّه سهام النقد إلى الطبقة السياسية الليبية، معتبراً أن السلطة التنفيذية الحالية تعاني من العجز وتفتقر إلى السيطرة الحقيقية. وقال:

“نحن في المجلس الرئاسي لا نملك شيئاً، السلطة شكلية بالكامل. الجميع يعلم أن صدام حفتر في الشرق يحكم أكثر من عبد الحميد الدبيبة في طرابلس. المال والسلاح هما الحاكمان، وليس المؤسسات.”

واعتبر الكوني أن الدولة الليبية تعيش “حالة من الانهيار الكامل”، متهماً الطبقة الحاكمة بالفشل في استعادة السيادة الوطنية وتوحيد مؤسسات الدولة بعد سنوات من الانقسام السياسي والعسكري.

وقد أثارت دعوته لاعتماد نظام الأقاليم الثلاثة موجة من الانتقادات، إذ حذّر رئيس مجلس المنافسة، سلامة الغويل، من أن مثل هذه الطروحات قد تؤدي إلى “تقسيم ليبيا وتشتيت القرار السيادي”.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة انتقد بشدة تصريحات الكوني، واعتبرها خارجة عن السياق الوطني. وقال خلال اجتماع حكومي في طرابلس: “من غير المقبول أن تُطرح القضايا الحساسة في واشنطن أمام السفراء، كان عليه أن يقول ذلك هنا بين الليبيين”.

وأضاف بلهجة ساخرة: “الكوني أنفق 700 ألف دينار ليذهب إلى أميركا ويهاجم الحكومة.. فماذا بعد؟ ربما شرب هناك ماءً مختلفاً عن مائنا”.

خلفية موسى الكوني: رجل الجنوب والملفات المعقدة

ينتمي موسى الكوني إلى قبائل الطوارق ذات الامتداد الإقليمي العابر للصحراء الكبرى، وهو من مواليد مدينة سبها في الجنوب الغربي الليبي عام 1951. شغل خلال العقود الماضية عدة مناصب في عهد نظام القذافي، بينها منصب قنصل ليبيا العام في مالي، كما عُرف بدوره التفاوضي في ملفات الجنوب.

لكن تاريخه لا يخلو من الجدل؛ ففي بداية الثورة الليبية عام 2011، وُجهت إليه اتهامات بتجنيد مرتزقة من الطوارق للقتال إلى جانب القذافي، في صفقة مالية ضخمة قدرتها مصادر بـ150 مليون فرنك أفريقي. وبعد فشل النظام، أعلن انشقاقه متأخراً، ما جعله موضع شك في أوساط المعارضين.

ورغم استقالته من المجلس الرئاسي عام 2017، عاد إلى الواجهة بقوة بعد تعيينه مجدداً في المجلس الرئاسي الحالي كممثل عن إقليم فزان. ومنذ ذلك الحين، برز كأحد الأصوات القليلة التي تطرح مقترحات جذرية، مثل فكرة العودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة (طرابلس – برقة – فزان) وتفكيك المركزية المفرطة في طرابلس.

مشهد معقد… والانتخابات مؤجلة

تعكس تصريحات الكوني حجم التعقيد السياسي والأمني في ليبيا، حيث تتنازع حكومتان السلطة، الأولى برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس (المعترف بها دولياً)، والثانية مكلفة من البرلمان في بنغازي ويرأسها أسامة حماد.

ومع تعثر المسار الانتخابي وتدخل القوى الأجنبية، تبقى ليبيا في حالة سيولة سياسية، حيث تتداخل الأطماع الداخلية والإقليمية مع غياب الإرادة الوطنية الموحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى