مشروع نزع سلاح المخيمات في لبنان مبادرة سياسية أم ضغوط خارجية؟ وحزب الله يطرح “السلاح السني” مقابل “السلاح الشيعي”
من الياس الياس
بيروت ـ يورابيا ـ من الياس الياس ـ في ظل تصاعد التوترات السياسية والأمنية في المخيمات الفلسطينية بلبنان، تتجه الأنظار نحو زيارة مرتقبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت، والمتوقعة في 19 أيار/مايو الجاري، وسط تكهنات متزايدة بأن الهدف الأساسي من هذه الزيارة هو إطلاق خطة لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية، ما يثير قلقًا عارمًا داخل الأوساط الفلسطينية واللبنانية على حد سواء.
رغم غياب أي إعلان رسمي واضح من الرئاسة الفلسطينية أو الدولة اللبنانية، فإن تقارير إعلامية متطابقة تشير إلى أن عباس يعتزم الدعوة إلى نزع سلاح جميع الفصائل، بما في ذلك حركة “فتح”، ووافق على دعم عمليات أمنية ضد الرافضين، بإشراف لجنة أمنية خاصة بطلب سعودي.
هذه الأنباء قوبلت بتحفظ كبير من مختلف القوى الفلسطينية، التي اعتبرت الخطوة بمثابة محاولة لفرض أمر واقع أمني، تحت ذرائع بسط سيادة الدولة، وبدعم خارجي يخدم أجندات لا تراعي واقع المخيمات وتعقيداتها.
تحذيرات من تكرار الماضي
عبدالله دندن، مسؤول العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، أعاد التذكير بتجربة نزع السلاح في ثمانينيات القرن الماضي، وما أعقبها من مجازر أبرزها صبرا وشاتيلا، محذرًا من مغبة تكرار السيناريو نفسه في ظل انعدام الضمانات. وقال: “نحن ضيوف هنا، ولكن لن نرمي سلاحنا من دون حماية فعلية”، نافياً في الوقت ذاته أن يكون ملف السلاح مطروحًا رسميًا ضمن أجندة الزيارة.
موقف “فتح”: دعوة لتنظيم وليس نزع
في المقابل، اعتمدت قيادة “فتح” في لبنان لهجة أكثر دبلوماسية، حيث شدد سرحان سرحان، نائب أمين سر الحركة، على أن زيارة عباس “ليست فقط للبحث في السلاح”، مرحّبًا بالحوار ومناديًا بتنظيم وضبط السلاح لا نزعه. وأكد أن أسلحة “فتح” “منضبطة ومخزنة بأمان”، داعيًا إلى التركيز على قضايا أكثر إلحاحًا مثل تمويل الأونروا ومكافحة ما وصفه بـ”الإرهاب داخل المخيمات”.
الفصائل المقاومة: سلاحنا للدفاع عن النفس
في الوقت الذي تلتزم فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي الصمت الرسمي، فإن مقربين من دوائرهما يؤكدون رفضهما لأي خطوة لنزع السلاح خارج إطار توافق وطني جامع. ويرون أن هذه الدعوات تهدف بالدرجة الأولى إلى تقويض أي وجود مقاوم في المنطقة، وتُستثمر في السياق الإقليمي للضغط على حزب الله وإعادة رسم التوازنات.
الناشط محمد حسون شدد على أن الفلسطينيين في لبنان ليسوا مجرد “قنبلة موقوتة”، بل هم ضحايا تهميش ممنهج وحرمان من الحقوق، وأن الحديث عن سلاحهم بمعزل عن سياقهم السياسي والمعيشي هو “اختزال مخلّ للقضية”.
المخيمات بين فوضى السلاح وغياب الدولة
واقع المخيمات يعاني أصلاً من فوضى أمنية، حيث لا تحتكر الفصائل الفلسطينية وحدها السلاح، بل تشترك معها مجموعات خارجة عن القانون من لبنانيين وفلسطينيين، منخرطة في تهريب المخدرات والجرائم المنظمة. وقد عبّرت أمل أبو رمضان، من سكان مخيم برج البراجنة، عن قلقها من فوضى السلاح بيد “غير المؤهلين”، داعية إلى تنظيمه لا إزالته بالكامل.
لكن آخرين، كعضو اللجنة الشعبية في المخيم نفسه أبو عمر، يرون في بقاء السلاح أداة دفاعية ضرورية في ظل انعدام الثقة بالحماية الرسمية، مستذكرًا حادثة سرقة مساعدات خلال شهر رمضان من قبل مسلحين لبنانيين دون أي تدخل من الدولة.
إعادة تشكيل المشهد بعد غزة
تُقرأ التحركات في سياق أوسع يطال المشهد اللبناني أيضًا، في ظل النكسة الأخيرة التي مني بها حزب الله جراء الضربات الإسرائيلية وخسارته بعضاً من قياداته، ما يفتح الباب أمام مساعٍ خارجية لإضعاف أي تحالف بين المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وإعادة هندسة الأمن الداخلي اللبناني تحت مظلة “الشرعية الدولية”.
حزب الله يشترط نزع السلاح الفلسطيني لتسليم سلاحه إلى الدولة
جاء ذلك فيما ذكر مركز تقدم للسياسات ومقره لندن في ورقة تقدير موقف ان حزب الله أثار مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان بصفته دافعا لتمسك الحزب بـ “سلاح الشيعة” دفاعا عن المكوّن الشيعي. وعلى الرغم من خطاب الحزب بشأن فلسطين والفلسطينيين، إلا أن الحزب أثار في الاجتماعات أن السلاح الفلسطيني هو “سلاح سنيّ” ويقع داخل مخيمات، لا سيما في عين الحلوة بالقرب من مدينة صيدا، على الطريق التي تربط مناطق الشيعة حول بيروت ومناطق الشيعة جنوب لبنان.
-فُهم من خلال النقاش أن الحزب يدفع باتجاه أن يكون نزع السلاح الفلسطيني سابقا على نزع سلاحه وشرطا له على نحو أثار استغراب الجو الفلسطيني في لبنان من موقف الحزب تجاه سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان.
-ونقل المركز عن مصادر لبنانية قولها إن بيروت، ومن خلال الحكومة اللبنانية وجهاز مخابرات الجيش اللبناني قد فتحت فعلا ملف السلاح الفلسطيني وباشرت ذلك بدءا من ملف حركة حماس. وكان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان قد أوصى في 2 مايو بتوجيه تحذير لحركة “حماس” من استخدام الأراضي اللبنانية في “أعمال تمسّ بالأمن القومي للبلاد”. وقد تبنت الحكومة هذه التوصية واتّخذت قرارات تنفيذية بهذا الصدد.
-واضاف المركز انه علم لاحقا أن الأجهزة الأمنية المختصة (الأمن العام ومخابرات الجيش خصوصا) تولّت استدعاء ممثلي حماس في لبنان وأخطرتهم بقرار الحكومة منع أي أنشطة عسكرية لها وتسليم المطلوبين الذين نفذوا عملية إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وقامت حماس فعلا بتسليم المطلوبين وهي بصدد تسليمهم جميعا.
-قالت معلومات أن مخابرات الجيش اللبناني نفّذت، في 16 أبريل 2025، عملية اعتقال فلسطينيين من مخيمات لبنان جنوبا وشمالا على علاقة بعملية الأردن وارتباط حماس بشكل ما فيها.
-وقال المركز ان مصادر لبنانية ذكرت إن بدء معالجة ملف سلاح حركة حماس الذي قد يصل إلى حظر تواجدها داخل الأراضي اللبنانية، ستعقبه معالجة للسلاح الفلسطيني برمته، لا سيما لدى حركة فتح، أكبر التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وأن زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس في 21-22 مايو 2025، إلى لبنان ستتركز على هذا الملف وأن قرارات كبرى منتظرة في هذا الصدد.
-وكشف المركز ان معلومات حول حوارا خلف الكواليس يجري بين لبنان والقيادات الفلسطينية في لبنان من خلال “لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” وأجهزة أمنية لبنانية لاستطلاع أفكار وخطط بشأن مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان. ويدور الحوار حول مواضيع تتجاوز ملف السلاح لتتناول مستقبل الأحوال المدنية للفلسطينيين في لبنان.
قضية شعب لا بندقية
وسط هذا الجدل، يُجمع عدد من الناشطين الفلسطينيين في لبنان على أن الحل لا يكمن في المعالجة الأمنية فقط، بل في خطة شاملة تعيد النظر في الحقوق المدنية للاجئين، وتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في لبنان باعتبارها قضية كرامة وهوية ووجود، لا مجرد ملف أمني.
الناشط محمد أبو قاسم عبّر عن ذلك بقوله: “سلاحنا ليس مشروع فوضى، بل رمز صمود… وإذا أردتم الحديث عن نزع السلاح، فابدؤوا بمن يهددنا لا بمن يدافع عنا”.