لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية، برزت ظاهرة انضمام النساء إلى الحركات الجهادية، وتحوّلهن من مجرد “زوجات المجاهدين” إلى عناصر فاعلة في التنظيمات المسلحة، سواء من الناحية التعبوية أو الأيديولوجية. وقد شكّلت هذه الظاهرة محوراً مهماً للدراسة والتحليل من قبل عدد من مراكز البحوث، وعلى رأسها المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، الذي تناول في تقاريره دور النساء في الحركات الجهادية الحديثة، وخاصة في سياق تنظيم داعش.
تطور الدور الجهادي للمرأة
في العقود الماضية، كانت المشاركة النسائية في التنظيمات الجهادية محصورة في الدعم اللوجستي أو المهام المنزلية. ومع ذلك، كما يشير تقرير المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، فقد بدأت ملامح التغيير تظهر في سياقات مثل الشيشان وفلسطين، حيث بدأت النساء بتنفيذ عمليات انتحارية، تم تصويرها كأعمال بطولية تُكسب صاحباتها مكانة رمزية داخل البنية الجهادية.
ومع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، تغيّر هذا الدور بشكل جذري، إذ جند التنظيم آلاف النساء، بعضهن من الغرب، ممن سعين للانخراط في مشروع “الخلافة” لأسباب أيديولوجية أو اجتماعية أو حتى نفسية. وقد قدّر المعهد الإيطالي للشؤون الدولية عدد النساء الأجنبيات اللواتي انضممن لداعش بين عامي 2013 و2018 بنحو 4761 امرأة، منهن أكثر من 500 من أوروبا.
الدعاية والاستغلال
استطاع تنظيم داعش أن يُنتج سردية دعائية مؤثرة موجهة للنساء، تعتمد على فكرة “التضحية في سبيل الله”، مع تصوير المرأة المجاهدة كرمز للنقاء والولاء. وضمن هذا الإطار، نشأ لواء الخنساء، وهو جهاز شرطة نسائي أسسه التنظيم لمراقبة النساء وفرض السلوكيات المتوافقة مع الشريعة بحسب تفسير داعش. وقد نوّه المعهد الإيطالي إلى أن هذا اللواء كان بمثابة أداة للسيطرة الداخلية والدعاية في آن واحد.
إلا أن هذا التمكين الظاهري أخفى في طياته نمطًا من الاستغلال الأيديولوجي المكثف. فقد فرض التنظيم قيودًا صارمة على حرية المرأة، من اللباس والحركة وحتى الزواج القسري. كما أظهرت شهادات نساء فارّات من مناطق سيطرة التنظيم – وردت في دراسات استشهد بها المعهد الإيطالي للشؤون الدولية – أن العنف الجنسي والاستعباد كانا ظاهرتين ممنهجتين، لا استثناءات.
الإرادة الفردية أم الضحية الجماعية؟
واحدة من أهم النقاط التي يثيرها تقرير المعهد الإيطالي هي تلك التي تتعلق بمدى الفاعلية السياسية للمرأة الجهادية. فهل هي ضحية تم التغرير بها؟ أم فاعلة أيديولوجية اختارت عن وعي طريق العنف؟ يرى المعهد أن الإجابة تقع في مساحة رمادية. فبعض النساء كنّ مدفوعات بالإيمان العميق، أو البحث عن هوية ومكانة لم يجدوها في مجتمعاتهن الأصلية، بينما البعض الآخر جرى تجنيدهن عبر الإنترنت في لحظات هشاشة نفسية أو اجتماعية.
التحديات القانونية لإعادة الإدماج
أشار المعهد الإيطالي للشؤون الدولية إلى أن عودة النساء الجهاديات إلى بلدانهن تمثل تحديًا قانونيًا وإنسانيًا. فالعديد منهن يواجهن تهمًا جنائية أو يُحرمن من الجنسية. وبينما تتبع بعض الدول الغربية سياسة الرفض أو الاحتجاز، اختارت أخرى برامج لإعادة التأهيل وإزالة التطرف، مثلما فعلت بعض الدول الإسكندنافية.
وفي ظل وجود آلاف النساء والأطفال في مخيمات مثل الهول وروج في شمال شرق سوريا، حذر المعهد من أن هذه البيئات قد تتحول إلى “خلافات ظل”، حيث تُنقل الأيديولوجيا المتطرفة من الأمهات إلى الأطفال، في غياب تدخل دولي فعّال.
خاتمة
يشدد المعهد الإيطالي للشؤون الدولية على أن التعامل مع ظاهرة المرأة في الجهاد يتطلب فهماً معقداً ومتعدد الأبعاد. فالفصل القاطع بين “الفاعلة” و”الضحية” غالباً ما يُغفل الديناميات الاجتماعية والنفسية والثقافية التي تؤثر في هذا السياق. ولذلك، فإن السياسات المستقبلية يجب أن تُبنى على فهم معمق، يُراعي السياقات، ويوازن بين الأمن وحقوق الإنسان، ويستثمر في الوقاية والتعليم وإعادة الإدماج كوسائل مستدامة لمحاربة التطرف.