الأموال الليبية المجمدة تعود للواجهة.. تحذيرات من “ابتزاز سياسي” وتحركات بريطانية تثير الغضب في طرابلس
من سعيد السويحلي
طرابلس ـ يورابيا ـ من سعيد السويحلي ـ في تطور لافت يعيد تسليط الضوء على واحدة من أكثر الملفات تعقيداً في العلاقات الليبية الغربية بعد عام 2011، عادت قضية الأموال الليبية المجمدة في الخارج إلى صدارة المشهد، وسط تحذيرات ليبية ودولية من محاولات “استغلال سياسي” لتلك الأصول التي تقدّر بمليارات الدولارات.
ووفقاً لتقرير صادر عن المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن استمرار تجميد تلك الأموال، لا سيما في دول كالمملكة المتحدة، وتحركات بعض الجهات للتصرف بها من جانب واحد، يمثل انتهاكاً للقانون الدولي ومساساً بسيادة ليبيا واستقرارها المالي.
من التجميد إلى التهديد: أموال ليبيا أداة ضغط
بدأت فصول هذه القضية عقب اندلاع الثورة الليبية وسقوط نظام معمر القذافي عام 2011، حيث سارعت قوى غربية، على رأسها بريطانيا، إلى تجميد أصول مالية ضخمة مرتبطة بالصناديق السيادية الليبية والمصرف الليبي الخارجي، وذلك بموجب قراري مجلس الأمن 1970 و1973.
ورغم مضي أكثر من عقد على ذلك، فإن هذه الأموال لا تزال مجمدة، فيما يعتبره مراقبون تجاهلاً للتحولات السياسية في ليبيا ومحاولة للضغط على السلطات الليبية الحالية أو تحميلها أعباء مرحلة لم تكن طرفاً فيها.
البرلمان الليبي ينتفض ضد المسعى البريطاني
انتفض البرلمان الليبي في وجه مساعٍ أوروبية، وخاصة من قبل المملكة المتحدة، تهدف إلى استخدام الأموال الليبية المجمدة لديها، وسط ترقّب محلي واسع لاستعادتها.
ويأتي هذا على خلفية مقترح نوقش في مجلس اللوردات البريطاني في 28 أبريل/نيسان 2025، تضمن مطالبات باستعمال جزء من الأموال الليبية لتعويض ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، مستندًا إلى اتهامات تاريخية للنظام الليبي السابق بالتورط في دعم التنظيم.
وتُقدّر الأصول الليبية المجمدة منذ عام 2011 بما يزيد على 200 مليار دولار، تشمل أرصدة مصرفية، وسندات، وأسهم، واستثمارات سيادية، إضافة إلى نحو 144 طنا من الذهب، جرى تجميدها في عدة دول غربية، خصوصاً في أوروبا، بموجب قراري مجلس الأمن الدوليين، اللذين نصّا على حماية الأصول الليبية من العبث والاستغلال أثناء حالة الفوضى التي أعقبت سقوط القذافي.
موقف ليبي حازم: هذه أموالنا ولن نفرّط بها
أعرب رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمدة بالخارج في مجلس النواب الليبي، النائب يوسف العقوري، عن رفضه التام لأي مساعٍ من هذا النوع.
وفي بيان رسمي، أكد العقوري أن “أي محاولة للتصرف في تلك الأصول تمثل انتهاكاً صارخاً للقرارات الدولية، وخاصة قراري مجلس الأمن المشار إليهما”، مشدداً على أن هذه الأموال “جزء لا يتجزأ من مقدرات الشعب الليبي ولا يجوز المساس بها تحت أي ذريعة سياسية أو قانونية”.
وأضاف أن اللجنة البرلمانية “ستتخذ كل الإجراءات القانونية والسياسية الممكنة لحماية الأموال الليبية، ومنع استغلالها خارج إطار المؤسسات الشرعية للدولة الليبية”.
تحذيرات من زعزعة الثقة بالنظام المالي الدولي
يرى المركز الأوروبي أن التمادي في تسييس الأرصدة المجمدة لا يمس ليبيا فقط، بل يشكل سابقة تهدد الأمن القانوني المالي العالمي، ويضع الدول النامية على وجه الخصوص في مهب سياسات الابتزاز المالي والازدواجية في تطبيق المعايير الدولية.
كما نبّه التقرير إلى أن أي استخدام لهذه الأموال بدون موافقة صريحة من السلطات الليبية يمثل خرقاً لمبدأ “الحصانة السيادية” للأصول الوطنية، ويقوّض الثقة بالنظام المالي الدولي القائم على احترام الملكية العامة للدول.
دعوات لتحرك عربي ودولي عاجل
وفي ختام تقريره، دعا المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية كلًّا من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف واضح وموحد لحماية الأرصدة الليبية، والضغط على الدول التي تحتفظ بها للإفراج الفوري وغير المشروط عنها.
كما شدد التقرير على ضرورة إدراج هذا الملف ضمن أولويات أي مسار سياسي أممي لحل الأزمة الليبية، باعتباره عنصراً حيوياً من عناصر دعم الاستقرار وبناء الاقتصاد الليبي على أسس سيادية وشفافة.