الشرق على حافة استحقاق جديد: نظرة روسية على احتمالات اهتزاز إرث كامب ديفيد
*سيرينا مارغيلوفا

زيارتي الأخيرة إلى القاهرة والقدس، الأسبوع الفائت، لم تكن مجرد رحلة بحثية روتينية. لقد وجدت نفسي أمام مشهد إقليمي بالغ الحساسية، تسيطر عليه مخاوف متزايدة من تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل على خلفية الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة. وبينما لا تزال بنود اتفاقية كامب ديفيد صامدة رسميًا، فإن الرياح السياسية القادمة من الجنوب لا تبعث على الاطمئنان.
لقد وُقّعت اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978 بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن، برعاية مباشرة من الرئيس الأميركي الراحل جيمي كارتر. وكانت تلك الاتفاقية منعطفًا استراتيجيًا في تاريخ الشرق الأوسط، إذ أرست أسس أول سلام رسمي بين دولة عربية وإسرائيل، وحققت استقرارًا دام أكثر من أربعة عقود على الحدود بين البلدين، رغم تعاقب الأزمات والحروب من حولها.
إلا أن الوضع الراهن في قطاع غزة يضع هذه الاتفاقية التاريخية أمام اختبار صعب.
في القاهرة، لمستُ شعورًا قويًا بالاستياء إزاء ما يُنظر إليه كتعنت إسرائيلي وتجاهل للتحذيرات المصرية المتكررة بشأن الانعكاسات الأمنية والإنسانية لما يجري في القطاع. ثمة مخاوف حقيقية من أن استمرار الحصار وتفاقم المأساة الإنسانية قد يؤديان إلى حالة من الفوضى، وخصوصًا في شبه جزيرة سيناء، ما قد يهدد الأمن القومي المصري بصورة مباشرة.
في المقابل، بدت النبرة في القدس أكثر تركيزًا على الأمن القومي الإسرائيلي بمعناه الضيق، حتى لو اقتضى الأمر اتخاذ خطوات أحادية تتجاهل التحفظات المصرية. ومع أن المسؤولين الإسرائيليين يحرصون على تأكيد التزامهم باتفاقية كامب ديفيد، فإن التصريحات والتسريبات تشير إلى تراجع في الثقة المتبادلة، وإلى فجوة آخذة في الاتساع في الرؤية السياسية بين الجانبين.
كمراقبة روسية، أتابع بقلق ما يبدو أنه تراكم غير مسبوق للمخاوف وسوء الفهم. لقد أثبتت التجربة أن كامب ديفيد كانت حجر الأساس في كبح الكثير من الانزلاقات العسكرية والانفجارات السياسية في المنطقة، وسقوطها – لا قدر الله – لن يكون مجرد أزمة بين بلدين، بل زلزالًا إقليميًا من شأنه أن يعيد رسم خرائط التوازنات في الشرق الأوسط برمّته.
وللتذكير، فإن اتفاقية كامب ديفيد تضمنت إطارًا عامًا للسلام بين مصر وإسرائيل، يستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام. وقد نص الإطار على انسحاب إسرائيل من سيناء إلى خط وقف إطلاق النار لعام 1967، مقابل إقامة سلام وعلاقات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل. كما تضمنت الاتفاقية أيضًا ترتيبات أمنية، بما في ذلك إنشاء منطقة عازلة في سيناء وقوات حفظ سلام دولية، بالإضافة إلى أحكام تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل.
خلاصة القول هنا مؤدّاها: إن احترام إرث السادات وبيغن وكارتر يتطلب اليوم أكثر من مجرد التمسك بالشكليات. إنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة جذور الأزمة في غزة، والتفاهم بصدق وشفافية بين القاهرة وتل أبيب، لأن البديل قد يكون خسارة أحد آخر معاقل الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة.
*مستشرقة روسية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط