حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن… نهاية التحالف التاريخي وبداية مرحلة جديدة من الاحتواء الأمني
من سعيد سلامة
لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ أصدر مركز الدراسات الإيطالي للعلاقات الدولية تقريرًا تحليليًا شاملًا تناول فيه التطورات الأخيرة في الأردن، والتي تمثلت في إعلان الحكومة الأردنية الحظر الرسمي لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين يوم 23 أبريل 2025، واعتبارها تنظيمًا غير قانوني. ويرى المركز أن هذا القرار يمثل تحولًا استراتيجيًا في العلاقة بين النظام الملكي الهاشمي وأحد أبرز التنظيمات الإسلامية في البلاد، بعد عقود من التعاون، ثم التوتر، وأخيرًا القطيعة.
من التحالف إلى الانفصال: تاريخ العلاقة المعقدة
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، قبل عام فقط من استقلال المملكة. ورغم كونها تنظيمًا أيديولوجيًا عابرًا للحدود، فإنها وجدت في النظام الهاشمي حليفًا تكتيكيًا خلال فترة الحرب الباردة. فقد استخدم الملك الحسين الأول الجماعة لموازنة النفوذ اليساري والقومي، وخاصة الفكر الناصري المدعوم من الاتحاد السوفيتي، وعزز بها شرعيته الدينية والاجتماعية. وفي المقابل، حصلت الجماعة على اعتراف رسمي ضمني، وشاركت في الحياة السياسية من خلال المجلس الاستشاري الوطني بين عامي 1978 و1984، كما توسعت في إنشاء شبكات الخدمات الاجتماعية والتعليمية والدعوية.
لكن هذه العلاقة بدأت تتآكل تدريجيًا بعد توقيع معاهدة وادي عربة للسلام مع إسرائيل عام 1994، والتي عارضتها الجماعة بشدة، وبلغ التوتر ذروته في انتخابات 1997 التي قاطعتها جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة. ومنذ تولي الملك عبد الله الثاني الحكم عام 1999، أصبح النظام أكثر حذرًا من نفوذ الإخوان، خاصة في الجامعات والمساجد، حيث بدأ تدريجيًا بفرض رقابة أكبر على أنشطتهم.
الربيع العربي ونقطة التحول
خلال احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011، حاول النظام امتصاص الغضب الشعبي من خلال حوارات محدودة، لكنها فشلت. بالمقابل، تم زيادة القيود على أنشطة الجماعة، وخاصة بعد أن أصبحت تُنظر إليها كتهديد مباشر لاستقرار الدولة، في ظل صعود الإسلام السياسي في المنطقة. وفي 2015، أغلق النظام مقر الجماعة الرئيسي في عمّان، مبررًا ذلك بمخالفتها الوضع القانوني، وهو ما تسبب في انقسام داخلي بين من قرر الالتزام بالخط الرسمي، ومن تمسك بالهوية الإخوانية الأصلية.
وقد استغلت الدولة هذه الانقسامات، بدعمها تشكيل جمعيات جديدة مثل “جمعية الإخوان المسلمين” و”حزب زمزم”، والتي أصبحت لاحقًا واجهات معتدلة موازية. ووفقًا لتقرير المركز، فإن الهدف من ذلك كان تقويض مركزية الجماعة وتفتيت قاعدتها الشعبية والمؤسسية.
الإخوان في الشرق الأوسط
في المشهد الشرق أوسطي، لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تشكل لاعباً مثيراً للجدل، إذ تدعمها بعض الدول وتعارضها بشدة دول أخرى.
وفي حين أن من بين معارضيها، كما رأينا، الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، فإن الداعمين الرئيسيين للحركة هم قطر وإيران وتركيا.
لقد دعمت الدوحة تاريخيا جماعة الإخوان المسلمين سياسيا وماليا، واعتبرتها أداة مفيدة لزيادة نفوذها الإقليمي وترويج إسلام سياسي بديل للإسلام الوهابي السعودي.
لكن هذا الدعم ساهم في عزلته الدبلوماسية في عام 2017، عندما اتهمته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين علانية بدعم الإرهاب وطردته فعليا من مجلس التعاون الخليجي.
وفيما يتعلق بالتعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران، فقد كثف الطرفان اتصالاتهما منذ عام 2014 (على الرغم من اتباعهما لتيارين متعاكسين من الإسلام) نتيجة لبعض الظروف السياسية الطارئة: من ناحية، كان الإخوان يتعافى من سقوط الرئيس المصري محمد مرسي، الزعيم السابق للجماعة؛ ومن ناحية أخرى، كانت إيران تخشى من تقدم الجهادية السنية في العراق.
ويتقاسم الطرفان هدف إقامة دولة إسلامية تقوم على الشريعة الإسلامية وتعزيز إسلاموية شاملة معارضة للغرب ومثله العليا، فضلاً عن التنافس مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين الرئيسيين، إسرائيل والمملكة العربية السعودية (على الرغم من أن العلاقات بين طهران والرياض في طور التطبيع).
وكانت لقاءات بين أعضاء الإخوان ومسؤولين إيرانيين قد جرت بشكل متكرر في تركيا، التي تعد من أكبر الداعمين للجماعة. وفي الواقع، بنى أردوغان على الفور علاقة استراتيجية هناك، على أمل إنشاء شبكة من التحالفات تشمل مصر وليبيا وتونس، على الرغم من أن سقوط حكومة الإخوان المسلمين في مصر أدى في وقت لاحق إلى نتيجة معاكسة.
وبالانتقال إلى الدول المعارضة للتنظيم، فقد صنفت معظمها التنظيم بأنه إرهابي، واتهمته باستغلال الدين لأغراض سياسية، والمسؤولية عن زعزعة الاستقرار في عدد من الدول العربية.
في الواقع، إن سياسات دول الخليج تجاه جماعة الإخوان المسلمين تتشكل من قناعة عميقة بأن المنظمة قد تشكل تهديداً لبقائها، وللنموذج الديني والسياسي القائم داخلها.
في حين تشير الملكيات الخليجية إلى الإسلام التقليدي والملكي، فإن جماعة الإخوان المسلمين تدعو إلى رؤية إصلاحية وشعبية، تهدف إلى إنشاء دولة إسلامية عابرة للحدود الوطنية.
وفي الأردن، حصلت جماعة الإخوان المسلمين على ترخيص رسمي كمنظمة خيرية واجتماعية منذ الاستقلال في عام 1946، عندما نظرت الملكية إلى الجماعة باعتبارها حليفاً محتملاً، وتمتعت بدعم شعبي واسع النطاق في المناطق الحضرية الكبرى وعشرات المكاتب في جميع أنحاء البلاد.
وعلى مدى سنوات، قاومت البلاد الضغوط من جانب دول الخليج العربية ومصر لحظر الجماعة، ولكنها شددت القيود على الجماعة خلال العامين الماضيين، فحظرت المظاهرات العامة واعتقلت أبرز معارضيها.
واليوم، يعتقد النظام السياسي الأردني أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت تشكيل ميليشيا سرية، وأنها تمثل تحدياً مباشراً للدولة.
الحظر الرسمي: الأسباب والسيناريو الأمني
في أبريل 2025، أعلنت الحكومة الأردنية أن جماعة الإخوان المسلمين باتت “تنظيمًا محظورًا وغير قانوني”، وتمت مداهمة مقارها، ومصادرة ملفاتها، وإغلاق إذاعتها الرسمية. وقال وزير الداخلية مازن الفراية في بيان رسمي إن الجماعة “تعمل على تقويض الأمن الوطني الأردني”، مشيرًا إلى “مؤامرة تم إحباطها” تورط فيها نجل أحد قياديي الجماعة، بتنسيق مع خلية لبنانية كانت تخطط لهجمات صاروخية وطائرات بدون طيار ضد أهداف داخل البلاد.
وأشار التقرير إلى أن هذه الإجراءات الأمنية ليست معزولة عن السياق السياسي الإقليمي، إذ تزامنت مع زيارة رسمية للملك عبد الله الثاني إلى السعودية ولقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يعزز فرضية وجود تنسيق إقليمي في مواجهة الإسلام السياسي، خاصة مع توسع نفوذ حركة حماس المدعومة من الإخوان في الأراضي الفلسطينية، ووجود دعم تركي وقطري غير معلن لبعض الشخصيات في الحكومة الأردنية.
موقف جبهة العمل الإسلامي: مناورة للبقاء؟
رغم أن القرار لم يشمل جبهة العمل الإسلامي، فإنها تواجه ضغوطًا متزايدة. وقد أكدت الجبهة في بيان رسمي أنها ستستمر “كحزب قانوني ومستقل، لا يرتبط بأي تنظيمات غير معترف بها”، معلنة التزامها بخدمة الوطن والدفاع عن استقراره. لكن العديد من المحللين يرون أن الجبهة قد تكون الهدف التالي، خصوصًا مع تصاعد التحقيقات في تمويلها وصلاتها المحتملة مع الجماعة المحظورة.
تجدر الإشارة إلى أن الجبهة فازت بـ31 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في سبتمبر 2024، ما يجعلها القوة السياسية الأكبر في البرلمان. لكن الإصلاح الانتخابي لعام 2022 الذي أدخل عتبة دخول للبرلمان، بالإضافة إلى قانون الرقابة الرقمية لعام 2023، قد يسهمان في تهميشها تدريجيًا.
الانعكاسات المحلية: الاستقطاب وتحدي التمثيل الشعبي
يُحذر تقرير المركز من أن الحظر الرسمي قد يؤدي إلى استقطاب سياسي واجتماعي واسع، خاصة في صفوف المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني، الذين يشكلون قاعدة دعم تقليدية للجماعة، ويقدر عددهم بنحو نصف سكان البلاد. ويخشى أن يؤدي تهميش الجماعة إلى تطرف بعض أعضائها، سواء بالانضمام لحركات راديكالية أو بالعودة للعمل السري.
وفي المقابل، يرى التقرير أن النظام يسعى إلى إدارة هذه التحديات من خلال استراتيجية “الاحتواء لا الإقصاء”، أي تفكيك الجماعة سياسيًا مع إبقاء قنوات مؤسسية مثل الجبهة ضمن المشهد، طالما تلتزم بقواعد اللعبة الرسمية.
الأبعاد الإقليمية والدولية: تحالفات جديدة وأهداف استراتيجية
الخطوة الأردنية تأتي في سياق أوسع إقليميًا، إذ تلتقي مع الموقف الرسمي لكل من السعودية والإمارات ومصر التي تعتبر جماعة الإخوان منظمة إرهابية. كما تسعى عمّان إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول، ومع الولايات المتحدة، في وقت تعاني فيه البلاد من تباطؤ اقتصادي وبطالة شبابية تبلغ نحو 30%.
ويرى المركز أن الخطوة قد تساهم في طمأنة المستثمرين الغربيين والخليجيين بشأن استقرار المملكة، خاصة في ظل تراجع المساعدات الخارجية في السنوات الأخيرة.
احتواء الإخوان… لا استئصالهم
يختم المركز تحليله بالتأكيد أن حظر جماعة الإخوان المسلمين لا يعني نهاية الإسلام السياسي في الأردن، بل يمثل إعادة هيكلة دقيقة للمشهد السياسي، تهدف إلى كبح النفوذ غير المرغوب فيه دون الدخول في صدام مفتوح. ومع التحضير المحتمل لانتقال العرش إلى ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله في السنوات المقبلة، يبدو أن النظام يسعى لتصفية التحديات الأيديولوجية والسياسية مبكرًا.
إن قرار الأردن بحظر جماعة الإخوان المسلمين ليس مجرد تعبير عن سياسة داخلية تهدف إلى احتواء نفوذ الإسلام السياسي، بل هو أيضا انسجام واضح مع استراتيجية دول الخليج ومصر، التي سعت منذ سنوات إلى تحييد الحركة التي تعتبرها تهديدا للاستقرار الوطني والإقليمي.
ويبدو هذا التهديد أكثر أهمية في السياق الحالي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، نظراً لقرب جماعة الإخوان المسلمين من محور المقاومة، وخاصة حركة حماس.
لقد شكلت جماعة الإخوان المسلمين تحالفات استراتيجية، مثل تلك التي عقدتها مع قطر وإيران وتركيا، مما ساعدها على البقاء والتوسع، ولكنها عرضتها أيضاً لمزيد من الانتقادات، وخاصة بسبب دعمها للجماعات المسلحة مثل حماس وحزب الله، والتي صنفتها العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية كمنظمات إرهابية.
في الوضع الحالي، تظل جماعة الإخوان المسلمين كياناً مثيراً للانقسام بشكل عميق.
وبالنسبة للبعض، فهو رمز لنهضة إسلامية واجتماعية قادرة على تحدي الظلم الداخلي والتأثير الغربي؛ وبالنسبة للآخرين، فإنها تمثل وسيلة للتطرف وزعزعة الاستقرار، وتخفي طموحات الهيمنة وراء واجهة دينية.
وبهذا المعنى، يبدو مصيرها مرتبطا بشكل متزايد ليس فقط بالديناميكيات الداخلية للبلدان التي تعمل فيها، ولكن قبل كل شيء بالتوازنات الإقليمية ومصالح القوى المتنافسة على الهيمنة في الشرق الأوسط.