في قلب جبال مدريد… غلاديس بالميرا تحتفظ بكنز الموسيقى اللاتينية
مدريد ـ وكالات ـ في منزل حجري أنيق يقع في منطقة “الإسكوريال” الجبلية قرب العاصمة الإسبانية مدريد، ترقد واحدة من أندر وأغنى مجموعات الموسيقى اللاتينية في العالم: “مجموعة غلاديس بالميرا”، التي تتضمن أكثر من 65 ألف أسطوانة فينيل، و30 ألف قرص مضغوط، وآلاف الصور، والملصقات، والكتب، وحتى علب كبريت من نوادٍ ليلية تاريخية، توثّق جميعها لتاريخ ثقافي وموسيقي ممتد من كوبا إلى الأرجنتين، ومن بورتو ريكو إلى المكسيك.
أليخاندرا فييرو إيليتا: شغف تحوّل إلى أرشيف ثقافي
المرأة التي تقف خلف هذا المشروع الثقافي الضخم هي أليخاندرا فييرو إيليتا، البالغة من العمر 65 عاماً، وهي من أب إسباني وأم بنمية. تُعرف في الأوساط الثقافية باسمها المستعار “غلاديس بالميرا”، الذي اختارته منذ سنوات بعد أن طلب والدها منها عدم استخدام اسم العائلة في مشاريعها الموسيقية. رفضها لهذا التقييد جعلها تختار هذا الاسم كرمز للحرية والاستقلال الفني.
في عام 1998، أطلقت في برشلونة أول محطة إذاعية في إسبانيا مخصصة بالكامل للموسيقى اللاتينية، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة طويلة في جمع التسجيلات والمقتنيات الموسيقية من كل أنحاء العالم، من نيويورك وسان فرانسيسكو إلى بوغوتا وهافانا، وبذلك تحوّل شغفها الشخصي إلى أرشيف ضخم ومتنوع يوثق الذاكرة السمعية لأميركا اللاتينية.
عرض جزئي في معرض “لاتينا” بمدريد
رغم أن المجموعة غير مفتوحة للجمهور حالياً، إلا أن جزءاً منها يُعرض حالياً حتى يوليو في مركز “كاسا دي أميركا” بمدريد، ضمن معرض استعادي تحت عنوان “لاتينا”، يحتفي برائدات الغناء اللاتيني من أمثال سيليا كروز، وكارمن ميراندا، وشافيلا فارغاس. يشرف على المعرض القيّم تومي ميني، الذي أشار إلى أن العنوان الفرعي كان من الممكن أن يكون “من روزاليا إلى روزاليا”، في إشارة إلى روزاليا دياز، مغنية الأوبرا الكوبية في القرن الـ19، والنجمة الإسبانية المعاصرة روزاليا.
تسجيلات نادرة وثقافات موسيقية متنوعة
تغطي المجموعة طيفاً واسعاً من الأنماط الموسيقية: البوليرو، الرومبا، السالسا، التانغو، المامبو، الباشاتا، والغاوخيرا، إضافة إلى تسجيلات سياسية وتاريخية نادرة، منها تسجيل صوتي لفيدل كاسترو يقرأ رسالة من تشي غيفارا، وتسجيلات تعود للعام 1899.
أشار خوسيه أرتياغا، المسؤول عن إدارة المجموعة والإذاعة التابعة لها، إلى أن هذا المشروع يهدف إلى “احتضان الموسيقى اللاتينية بكامل تنوعها وروحها”، وقد حصل مؤخراً على دعم من مصممة الغرافيك إيزي سانابريا، المعروفة بتصميمها لأغلفة ألبومات سالسا تاريخية.
مستقبل المجموعة: بين أميركا اللاتينية وأوروبا
رغم ثراء المجموعة وأهميتها الثقافية، فإن مستقبلها لا يزال محل نقاش. أرتياغا أوضح أن هناك مطالبات من دول أميركا اللاتينية لإعادة المجموعة إلى موطنها الأصلي، إلا أن التكاليف الباهظة والظروف اللوجستية تقف عائقاً. في المقابل، هناك رغبة إسبانية متزايدة في الحفاظ عليها، خصوصاً في ظل تزايد أعداد سكان أميركا اللاتينية في البلاد. الولايات المتحدة بدورها تُطرح كخيار، لكن المناخ السياسي هناك حالياً لا يشجع.
“فرنسا أيضاً مرشحة”، يقول أرتياغا، “فهي مهتمة جداً بالمجموعة، وقد يكون ذلك مثالياً، لكن يبقى التحدي الأساسي أن هذه المجموعة تتحدث بالإسبانية أولاً وأخيراً”.
ظاهرة ثقافية تتجاوز الأرشفة
المجموعة لا تقتصر على الاحتفاظ بالتسجيلات، بل تمثل مشروعاً ثقافياً متكاملاً يُستخدم في المعارض والمهرجانات، مثل “تيمبو لاتينو” في فرنسا. كما تسعى إلى توثيق دور المرأة في الموسيقى اللاتينية، وتقديم نموذج جديد من الحفظ السمعي والتاريخي الذي يربط بين الجذور والحداثة.
ومع استمرار المعارض والاهتمام الإعلامي، يبدو أن مجموعة “غلاديس بالميرا” ليست فقط أرشيفاً صوتياً، بل مرآة تعكس عمق وأهمية الموسيقى اللاتينية كقوة ثقافية عالمية، تستحق أن تُصان وتُعرض وتُدرس.