السلايدر الرئيسيكواليس واسرار

التصعيد الإسرائيلي في سوريا يضع الأردن في موقف حرج… مزيج من التهديدات والفرص

من سعيد سلامة

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ قالت الباحثة بورجو أوزجليك، زميلة الأبحاث البارزة في أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، إن التكثيف الإسرائيلي للعمليات العسكرية داخل سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد يشكل تحديًا استراتيجيًا خطيرًا للأردن، ويعرض استقراره السياسي الداخلي للاهتزاز.

وفي تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي”، استعرضت الباحثة تداعيات هذه التحولات الإقليمية على المملكة الهاشمية، مشيرة إلى أنها تضع الملك عبد الله الثاني أمام معادلة معقدة تجمع بين ضغط الشارع الأردني وضرورات الأمن الإقليمي.

سلام بارد على حافة الغليان

ذكرت الباحثة أن الأردن، رغم كونه ثاني دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل في 1994، إلا أن العلاقة بين البلدين طالما اتسمت بما يُعرف بـ”السلام البارد”. وقالت إن هذه العلاقة تُدار وفق توازن دقيق: تنسيق أمني واستخباراتي مكثف من جهة، وخطاب سياسي علني منتقد لتل أبيب من جهة أخرى.

وأكدت أن الوضع تغير بشكل كبير بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، حيث زادت الضغوط الشعبية على الحكومة الأردنية لإلغاء اتفاق السلام، بينما حرص القصر الملكي على إبقاء قنوات الأمن مفتوحة مع إسرائيل.

تصعيد خطير في سوريا يربك الحسابات الأردنية

أشارت أوزجليك إلى أن التحول الأبرز جاء مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وصعود حكومة مؤقتة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، حيث وجدت إسرائيل في هذا التطور ذريعة لتوسيع تدخلها العسكري المباشر في الجنوب السوري.

وأضافت الباحثة أن إسرائيل نفذت أكثر من 700 غارة جوية منذ ذلك الحين، وأقامت 9 مواقع عسكرية داخل سوريا، بعضها في مناطق قريبة من حدود الأردن. كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أن قواته “مستعدة للبقاء داخل سوريا لفترة غير محددة”.

ووصفت الباحثة هذا التوسع بأنه “تصعيد غير مسبوق يُهدد السيادة السورية ويقوض استقرار الأردن الحدودي”.

قلق أردني من صعود الإسلاميين في سوريا والأردن

أوضحت أوزجليك أن صعود حكومة شرعية جديدة بقيادة زعيم إسلامي معتدل يثير قلق القصر الملكي الأردني، ليس فقط من جهة الحدود والأمن، بل من ناحية التأثير المحتمل على الداخل السياسي.

وأضافت أن الحكومة الأردنية تخشى انتقال عدوى الإسلام السياسي إلى أراضيها، خاصة مع صعود نجم “جبهة العمل الإسلامي” المعارضة التي ارتفعت شعبيتها في الانتخابات الأخيرة، مستفيدة من مواقفها الداعمة للفلسطينيين.

وذكرت أن السلطات الأردنية اتخذت خطوات استباقية عبر حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتقال 16 من أعضائها في أبريل الماضي، بتهم تتعلق بالإرهاب وتهريب الأسلحة.

ورجّحت الباحثة أن يكون التعاون الاستخباراتي الأردني الإسرائيلي قد لعب دورًا في كشف ومتابعة هذه الخلايا، خاصة على الجبهة اللبنانية.

إسرائيل شريك أمني… ومصدر تهديد في آنٍ واحد

قالت أوزجليك إن إسرائيل تمثل بالنسبة للأردن شريكًا أمنيًا حيويًا، وفي الوقت نفسه، مصدرًا دائمًا للاضطراب الداخلي، بسبب استمرار الاحتلال، والسياسات المتشددة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوسع في سوريا.

وأضافت أن “معاهدة السلام مع إسرائيل تساعد في الحفاظ على استقرار الأردن على المدى القصير، لكنها تُنتج باستمرار توترات سياسية داخلية تهدد استقرار النظام”.

كما لفتت إلى أن استمرار إسرائيل في توسيع “منطقتها العازلة” داخل الأراضي السورية يُعرقل جهود حكومة الشرع لفرض سيطرتها السيادية، ويزيد من احتمال انهيار التوازن الأمني في جنوب سوريا، بما ينعكس سلباً على الأردن.

منطقة عازلة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة

أشارت الباحثة إلى أن إسرائيل تعمل على فرض منطقة عازلة بمساحة 400 كم² في جنوب سوريا، تضم مناطق خارج حدود مرتفعات الجولان، متجاوزة بذلك اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.

وذكرت أن هذه المنطقة، التي كانت سابقاً تحت رقابة قوة فضّ الاشتباك التابعة للأمم المتحدة، أصبحت الآن بحكم الأمر الواقع تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية.

واعتبرت أوزجليك أن هذه الخطوة تثير قلقًا أردنيًا مشروعًا بشأن السيادة السورية، وتعرقل الجهود الدولية لإعادة الاستقرار الإقليمي.

تصعيدٌ داخلي قادم؟

حذرت أوزجليك من أن الموجة الجديدة من التصعيد الإسرائيلي في سوريا، إلى جانب الحرب الجارية في غزة، قد تؤدي إلى انفجار جديد للاحتجاجات في الأردن، لاسيما في ظل وجود تركيبة ديموغرافية حساسة، حيث يشكل الفلسطينيون نحو نصف السكان.

وقالت إن أي تصعيد أمني إضافي، سواء في سوريا أو غزة، يمكن أن يُستخدم داخليًا لتبرير مزيد من القمع السياسي أو حل أحزاب المعارضة، مما قد يقود إلى اضطرابات أكبر.

خاتمة: معاهدة السلام على المحك؟

اختتمت الباحثة تحليلها بالتأكيد على أن الأردن يقف اليوم في موقع لا يُحسد عليه، إذ إن إسرائيل “تبدو في الوقت نفسه شريكًا أمنيًا لا غنى عنه، ومصدرًا دائمًا لعدم الاستقرار السياسي الداخلي”.

وأضافت أن “ازدواجية العلاقة بين البلدين تمثل خللاً بنيويًا في النظام الإقليمي، ومع مرور الوقت، قد يتطلب هذا الخلل إعادة نظر جذرية في طبيعة العلاقة، سواء من جانب عمّان أو تل أبيب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى