الرابعة فجراً ..
أصداء أذان، وبقايا شموع تحترق، في ليلة ينيرها البدر ..
ورائحة كعكة محترقة، اعتادت أمي على تزيينها في ليلة ميلادي ..
وبقيّة من توهّج فرن تلطّف من برد المكان وسكونه ..
* * * * *
عشية الليلة الأولى من عقدي الثاني ..
كانت تكتكة الساعة تطرق أذنيّ وكأنّها دمدمة الرعد ..
إذ يعمّ صمت ثقيل، لا يكفي لكسره صوت الموسيقى الخافت من غرفة أبي ..
فتاهت من عينيّ دموع حائرة، وقلق غريب ..
وكأن أثقالاً كانت تجثم على صدري في تلك الليلة العجفاء ..
* * * * *
بات الكابوس نفسه يلاحقني ..
جوامع تحترق، وتغلق أبوابها ..
ومصلون يتراكضون هاربين في كلّ اتّجاه ..
وأجراس لكنائس لم تعد تقرع ..
وخطر محدّق بات على المشارف ..
* * * * *
نمت نوماً خانقاً وكأنّه الموت ..
وأيقظني صوت حنون يذكرني بأن اليوم ميلادي ..
فابتسمت وأنا واهنة ..
مستبشرة بومضة من أمل تتعطش إليه روحي ..
* * * * *
لعل خوفي وهم ..
وكوابيسي حديث نفس ..
فتمتمت ورد الصباح خاشعة:
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ..
قلتها لعلها ترفع عن صدري أثقال الكوابيس ..
* * * * *
تحركت الأرض وانتفضت لهدير القنابل ..
ما عاد لموضع فيها أمان ..
تعالى الدخان وغطى السماء ..
وملأت صرخات الخوف وبكاء الأطفال المكان ..
وتوقّف الزمن ..
وانفصلت عن روح طفولتي ..
وما زال بين روحي وبين ما تبقى مني برزخ إلى يوم يبعثون …
بغداد ليلة 17/ 1/ 1991
آخر ذكرى ميلاد يوم كان لي وطن