أقلام يورابيا

الرياض… حيث تنبض الرمال بالحلم

سيرينا جمال دملج

منذ أن هبطت الطائرة فوق مدرج مطار الملك خالد، شعرت وكأنني أعبر بوابة زمنية لا مجرد معبر حدودي. لست غريبة عن الشرق، فأبي لبناني الطين واللهجة، وأمي روسية الحنين والثلج، لكن الرياض أمسكت بيدي برقةٍ مهيبة، وقالت لي: “أهلاً بكِ في الغد”.

على مدى يومين، الثلاثاء والأربعاء، كنت هناك، أراقب الزيارة الرئاسية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أدوّن ملاحظاتي، أُجري المقابلات، وأتسلل بعينيّ وراء الرسميات إلى ما هو أبعد من السياسة… إلى نبض المكان، إلى ما تهمس به المدينة حين لا نطلب منها الكلام.

الرياض التي عرفناها في الروايات وقراءات التقارير لم تكن تلك التي رأيتها. كانت مدينة تمشي بثبات فوق الحلم، تتزيّن بثقةٍ لا تستعيرها من أحد، وتبني ذاتها كما يشاء طموح وليّ عهدها، الأمير محمد بن سلمان. هذا الشاب الذي لا يتوانى عن إعادة صياغة التاريخ السعودي بجرأةٍ تدهش الحلفاء قبل الخصوم.

وحين مازحه ترامب قائلًا: “متى تنام وأنت تحقق كل هذه الإنجازات؟”، ضحك الحاضرون، لكنني، في داخلي، تمتمت: بالفعل… متى ينام من يوقظ وطنًا بأسره؟

لقد تغيّر كل شيء. لمست ذلك في وجوه النساء السعوديات اللواتي أصبحن يشغلن أدوارًا كانت حتى الأمس القريب محجوبة. لمست ذلك في الفنون، في المعارض، في الحوارات. في روحٍ جديدة تشقّ طريقها بثقة داخل النسيج الاجتماعي.

هذه ليست نهضة سطحية، بل هو تحوّل جوهري، متعدد الطبقات، متشابك الأبعاد، كأن المملكة كلها أعادت كتابة هويتها على ضوء رؤية 2030، لا كخطة تنموية فحسب، بل كفلسفة حياة جديدة.

وأنا، الآتية من خليط ثقافي، من برد الشمال وحرارة الجنوب، شعرت للمرة الأولى أن الجغرافيا لا تقيّد الانتماء، وأن الحلم، حين يُصاغ بصدق، يمكن أن يصبح لغةً يفهمها الجميع، حتى أولئك الذين يزورون الرياض للمرة الأولى.

وغادرت العاصمة… لكن شيئًا منها بقي فيّ. بقي في دهشة المآذن التي تصافح الأبراج الزجاجية، في موسيقى التنمية التي تنساب كأنها نشيد وطني جديد، وفي ذاك الشعور الغامض بأنني كنت شاهدة على ولادة زمن مختلف.

*كاتبة صحفية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى