أقلام يورابيا

جولة ترامب الخليجية وتصعيد نتنياهو اللفظي ضد غزة

امير مخول

في إحاطته عن غزة والغزيين ووفقا لصحيفة تايمز اوف اسرائيل يوم 13 ايار/مايو أبلغ نتنياهو اعضاء لجنة الخارجية والامن أن إسرائيل “تدمر المزيد والمزيد من المنازل ولم يعد لديهم مكان يعودون إليه”، وأضاف نتنياهو: “النتيجة الواضحة الوحيدة هي أن سكان غزة سيختارون الهجرة إلى خارج القطاع. لكن مشكلتنا الأساسية هي العثور على دول تقبلهم”. وأشار نتنياهو إلى أنه ناقش مؤخرا مع الرئيس دونالد ترامب خطة الأخير التي تدعو لتولي الولايات المتحدة إدارة غزة، لكنه أقر بوجود صعوبات في تنفيذها. فيما يواصل الجيش مضاعفة قواته ومراكمة استعداداته لاجتياح غزة والقضاء على ما يتم القضاء عليه. في سياق اخر صرح نتنياهو يوم 12/5 امام منتدى “المقاتلين الجرحى من اجل الحسم” بأنه في الايام القادمة سوف تشهدون في غزة ما لم تشهدوه من قبل” كما اضاف بأن اسرائيل ستحتل كل القطاع و”تبقى فيه للأبد”.

– تبدو تصريحات نتنياهو بحدّها الأقصى كلاميا ومن دون اي ضمانات تؤكد القدرة على تحقيقها، وحصريا بتزامنها مع بدء جولة ترامب العربية الخليجية، بأنها تعبر عن ضائقته السياسية الامنية والاستراتيجية. بل ان الخطاب فيه تعويض كلامي عن هذه الضائقة حيث تتجاوز الاحداث دوره وموقفه، ويبدو ان سلوك الادارة الامريكية في الصفقة الثنائية مع حماس من خلال الوسيطين المصري والقطري وإطلاق سراح المجند عيدان ألكسندر، ثم اللقاءات المكثفة بين ويتكوف مع الكساندر ومع عائلات الاسرى والمحتجزين تبيّن نتنياهو كما لو انه خارج الحدث، بل وترددت اسرائيليا مقولات تعبر عن الاعتماد على واشنطن وليس على حكومة اسرائيل.
– في المقابل يجد نتنياهو الذريعة التي قد تشكل سلّما للتراجع عن تصريحاته. فمن ناحية يعد الجنود الجرحى ومن خلالهم جمهوره بأيام لم يشهدوا مثلها في غزة، في تعبير عن نوايا التطهير العرقي الكامل واخلاء القطاع وهدم كل ما فيه والسيطرة الدائمة عليه، وهي تصريحات لم تصدر عن نتنياهو لحد الان. كما ويعد بالتهجير الكامل وبخلق واقع تدميري لا يتيح للفلسطينيين من خيار سوى الهجرة وترك القطاع. هذا هو خطاب اقصى اليمين الصهيوني ديني والذي يرضي حلفاءه من اقصى اليمين وبالأساس موجّه لكتلة مؤيديه.
– تقوم ذريعة نتنياهو في حال التراجع، على عدم وجود دولة ثالثة مستعدة لاستقبال سكان غزة لاجئين لديها. كما ويعاني من تراجع ترامب عن فكرة التهجير والذي بدوره يكرر مؤخرا انه يحق للفلسطينيين في غزة ظروفا انسانية أفضل وانه يجب انهاء هذه الحرب الهوجاء بل دعا ترامب السعودية الى الانضمام لجهود الوساطة لإنهاء الحرب وانهاء قضية الاسرى والمحتجزين وصفقة التبادل. بينما يذكر نتنياهو ذريعة اخرى تسويغا لاحتمالية انجاز الصفقة التي تبدو مفروضة عليه امريكيا، وهي الذريعة القائلة بوجود “صعوبات امام تولي الولايات المتحدة ادارة شؤون غزة” ويدعي انه ناقش الامر مع ترامب.
– يدرك نتنياهو ان مشروع التهجير يتراجع عن جدول الاعمال كما ويدرك ان الموقف العربي وحصريا المصري والاردني قد منع التهجير لحد الان ولن يتيحه مهما كان، وهو ما يفسر التوتر المتصاعد بين مصر واسرائيل. في المقابل فإن مشروع التهجير حاليا مهيمن على الموقف السائد في الحكومة اي الليكود وحزب الصهيونية الدينية – سموتريتش، والقوة اليهودية – بن غفير.
– بتقديرنا يدرك نتنياهو انه اذا لم تكن الحكومة آيلة الى السقوط بكل حال، فلن يسقطها لا سموتريتش ولا بن غفير، نظرا لان كلا منهما سيسقط معها ولن يجد له ائتلافا بديلا ينضم اليه.
– يقوم نتنياهو بالاستعارة من مقولات تنسب الى بن غوريون في عام النكبة 1948 وتهجير غالبية شعب فلسطين بأنه يجب منع الفلسطينيين من العودة وفي حال عادوا فلن يجدوا البيت وإن وجده سيكون ساكنوه من اليهود. ويؤكد ان الغزيين لن يكون لأي منهم بيت. تشير التصريحات آنفة الذكر الى نوايا نتنياهو وليس بالضرورة الى قدرات حكومته التي عليها ان تواجه تبعات التهجير استراتيجيا. انها تندرج في هدفه الاهم بمنع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وفي تقويض الحق الفلسطيني بمجمله. في المقابل فإنها تصريحاته تندرج في احتياجاته السياسية الحزبية والشخصية التي تتهمه بها الاوساط الاوسع في الراي العام الاسرائيلي، وترى بتكثيف الحرب الى حدها الاقصى بمثابة حاجة سياسية لنتنياهو وليس للدولة كدولة.
– تؤكد التطورات الاقليمية وجولة ترامب العربية وطبيعة الاتفاقات والصفقات والمواقف، مدى التراجع الاستراتيجي الاسرائيلي اقليميا ودوليا. قد تستغل الولايات المتحدة ذلك لابتزاز نتنياهو وللإملاء عليه بقبول الصفقة ووقف الحرب، ومن المستبعد تماما ان تتنازل الولايات المتحدة عن اسرائيل، بينما لن ترهن علاقاتها بالدول العربية والاقليمية لنوايا نتنياهو وحكومته ولا لتعريفها الذاتي للأمن القومي الاسرائيلي، وفي ذلك تحجيم كبير لدور اسرائيل. في هذا الصدد يأتي انتداب الوفد الامني المفاوض الى الدوحة بمثابة اذعان للموقف الامريكي الذي يتجاوز حكومة اقصى اليمين في كل الملفات الاقليمية.
– سياسيا إسرائيليا، تتفاقم الازمة الحاكمة وحصريا في موضوع التوتر بين الاحزاب الدينية الحريدية في مسألة استدعاء الشباب الحرديم للجيش وسجن كل من يرفض الامتثال. توجد تقديرات بأن نواب هذه الاحزاب لن يسقطوا الحكومة، بينما هذا لا يشكل اجماعا لدى مرجعياتهم الدينية. ثم ان الجيش ورئيس الاركان والمستشارة القانونية للحكومة متهمين بأنهم قد يسقطون الحكومة نتيجة لإصرارهم على التجنيد الواسع من بين الحرديم.
– لن يكون مستبعدا ان يكون دور امريكي في السعي لإسقاط الحكومة من خلال مركباتها، وهناك اتصال دائم بين السلطات الامريكية والاحزاب الاسرائيلية في مسعى للتأثير، وهذه المرة لإنهاء حكم نتنياهو –سموتريتش – بن غفير.

**. تعبر تصريحات نتنياهو عن نوايا خطيرة وخطط كارثية محاكة تجاه غزة والشعب الفلسطيني ولا يجوز الاستهانة بها، الا انها تعكس ايضا تعبيرا عن الاخفاق الجوهري في ايجاد اي مخرج ان لم يفرض على اسرائيل امريكيا.
** تشكل تصريحات نتنياهو بتعثر امكانية التهجير وعدم وجود دول معنية، اعترافا بحدود القوة الاسرائيلية اقليميا ودوليا، ويفتح هذا التصريح الباب امام احتمالية تراجعه. كما وتؤكد ايضا قوة الموقف العربي في رفض التهجير ومنعه
* * بغض النظر عن الالتزام الامريكي التام بإسرائيل، الا ان الفجوة مع حكومة نتنياهو تتسع وباتت مكشوفة.
** لم يشهد الراي العام الاسرائيلي حالة ضعف سيادي في الحكومة الاسرائيلية ووفقا للمعايير الصهيونية، اذ ان ادارة ترامب ومبعوثيها يتدخلون بشكل مكثف في ادارة السياسة الاسرائيلية وفي التواصل مع حراك عائلات الاسرى والمحتجزين ولوقف الحرب وبتجاوز لوتيرة نتنياهو وحكومته.
• فلسطينيا وعربيا هناك مؤشرات لوجود فرصة لانفراجة متأخرة، بينما لا يمكن التقليل من مخاطر نيات الحكومة الاسرائيلية ومخططاتها.

عن مركز تقدم للسياسات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى