ترامب في الشرق الاوسط المال أولًا.. وتجاهل مصر والاردن قد يدفعهما لتحالفات جديدة
أحمد المصري
حط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحاله في منطقة الخليج معلنًا انطلاقة جولته الخليجية الأولى في ولايته الثانية من السعودية، والتي تشمل أيضًا زيارات لكل من قطر والإمارات العربية المتحدة. تأتي هذه الزيارة في وقتٍ حرج، تحمل أبعادًا استراتيجية واقتصادية كثيفة، وتعكس تحوّلًا في الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط.
يرافق ترامب وفد رفيع يضم مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي اضطلع بأدوار تفاوضية في ملفات شائكة كوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وتحرير الرهائن، والمفاوضات النووية مع إيران. كذلك حضر منتدى الاستثمار السعودي-الأمريكي شخصيات بارزة من عالم المال والتكنولوجيا، على رأسهم لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك”، وأليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة “بالانتير” وايلون ماسك، في مؤشر على التركيز العميق على فرص الاستثمار.
وتصدرت جدول أعمال الزيارة الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية بقيمة تريليونات الدولارات، ما عكس رغبة في ترجمة شعار ترامب الشهير “فن الصفقة” إلى واقع ملموس.
منذ ولايته الأولى، عُرف ترامب بنهجه الذي يضع المصالح الاقتصادية في مقدمة السياسة الخارجية. هذه المقاربة تتجلى مجددًا في ولايته الثانية، مع التركيز على استقطاب الاستثمارات الخليجية الضخمة إلى الداخل الأمريكي، وتحقيق مكاسب اقتصادية عبر عقود تسليح ضخمة وصفقات استراتيجية.
اختيار دول الخليج لتكون المحطة الأولى في الولاية الثانية، بدلًا من حلفاء تقليديين في المنطقة وخارجها مثل مصر والاردن وكندا أو الدول الأوروبية، يُعد مؤشراً قوياً على إعادة ترتيب أولويات البيت الأبيض. فالدول الخليجية، الغنية بصناديقها السيادية، تُعد هدفًا مباشرًا لسياسات ترامب الاستثمارية.
هذه الصفقات لا تنطوي فقط على بُعد اقتصادي، بل تعكس أيضًا شراكة أمنية غير مباشرة. فترامب، الذي يتردد في تقديم التزامات أمنية رسمية، يفضّل استخدام الصفقات العسكرية والدبلوماسية—مثل اتفاقيات إبراهام في ولايته الأولى—كبدائل للضمانات الدفاعية الصريحة.
في الوقت الذي تحصد فيه دول الخليج عوائد مباشرة من علاقاتها بترامب، تجد مصر نفسها في موقع أكثر هشاشة ضمن هذه المعادلة. رغم أهميتها الإقليمية ودورها الوسيط في ملفات مثل غزة والسودان وليبيا، لا تتمتع القاهرة بنفس الجاذبية الاقتصادية التي تدفع ترامب إلى تقديم مبادرات استثمارية واسعة النطاق.
وتعاني مصر من ضغوط حقيقية ناجمة عن نهج ترامب، أبرزها التأثيرات الاقتصادية المباشرة حيث فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 10% على عدد من الدول، بينها مصر، مما يزيد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها، لا سيما مع اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، ما قد يفاقم أزمة الأسعار والتضخم.
وقرار إدارة ترامب بخفض أو إلغاء نحو 83% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يمس بشكل مباشر المشاريع التنموية الحيوية في مصر، ويهدد بخلق فجوات في سوق العمل، وتقليص قدرة الحكومة على دعم الاستقرار الاجتماعي.
واشنطن ايضا طالبت بمرور حر للسفن الأمريكية العسكرية والتجارية عبر قناة السويس وهو ما رفضته مصر بشدة، وهو ما يمكن أن يُستخدم كورقة ضغط تؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وتفتح هذه السياسات الباب أمام احتمالات إعادة توجيه مصر لعلاقاتها نحو قوى دولية بديلة مثل الصين، التي تبدي اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في البنية التحتية المصرية.
وطالب ترامب الأردن ومصر باستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة وأنه كان يعتزم مناقشة هذا الأمر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الى واشنطن لم تتم.
وقوبلت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن دعوة مصر والأردن لاستقبال لاجئين فلسطينيين باستياء ورفض واسع في مصر، وطالب برلمانيون مصريون بمواجهة المحاولات المستمرة لـ”تصفية القضية”.
وشددت مصر على رفضها لما وصفته بـ “المساس” بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.
ولا تزال القاهرة تلعب دورًا محوريًا في الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهو أمر لا تستطيع إدارة ترامب تجاوزه بالكامل. وقد كانت مصر من أوائل الدول التي اقترحت بدائل واقعية لخطة ترامب غير الواقعية بشأن السيطرة على قطاع غزة، مما يؤكد استمرار ثقلها الإقليمي.
تشير الجولة الخليجية للرئيس ترامب إلى بروز نمط جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط. لم تعد هذه العلاقات تُبنى فقط على الروابط العسكرية والتحالفات السياسية، بل أصبحت تقوم بشكل متزايد على معايير الربح والخسارة الاقتصادية، وفاعلية الشراكة الاستثمارية.
وفي حين تحاول دول الخليج تأمين مكانة متميزة ضمن هذا النموذج الجديد عبر ضخ الاستثمارات والصفقات، تجد دول أخرى مثل مصر والاردن نفسها في موقع دفاعي، تتأثر بالقرارات الأمريكية أكثر مما تشارك في صناعتها.
تبدو الساحة الإقليمية، إذًا، مقبلة على مرحلة تعيد فيها واشنطن تموضعها، ليس من منطلق القيادة التقليدية، بل بصفتها شريكًا تجاريًا يريد أن يربح أولًا، ويطالب الآخرين بدفع الثمن سياسيًا واقتصاديًا.
ويعكس هذا التجاهل الامريكي لمصر والاردن توجّه إدارة ترامب نحو إعادة تعريف الشراكات الإقليمية بناءً على المردود الاقتصادي لا الجغرافيا أو التاريخ السياسي، ما قد يؤدي إلى اختلال توازن القوى التقليدي في الشرق الأوسط، ويُحدث فراغات قد تسعى قوى دولية وإقليمية أخرى كالصين وروسيا لسدّها في المستقبل القريب، ويمكن أن يؤدي هذا إلى إعادة صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة وتشجيع مصر والاردن على احتضان منافسين رئيسيين مثل الصين او روسيا.