السلايدر الرئيسيتحقيقات

السويداء تشتعل.. اشتباكات دامية والهجري يطالب بحماية دولية والحكومة تقول انها تعرضت لـ”الغدر” وسط تحذيرات من انفجار طائفي وتصعيد إسرائيلي

من سعيد إدلبي

دمشق ـ يورابيا ـ من سعيد إدلبي ـ دخلت محافظة السويداء جنوب سوريا في دائرة مواجهات دامية منذ يوم الأحد، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين فصائل مسلحة درزية ومسلحين من العشائر البدوية، على خلفية حوادث خطف متبادلة، سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح غير مسبوق في المنطقة ذات الغالبية الدرزية، وسط تدخل أمني وعسكري سوري، ومواقف دولية وإقليمية متباينة، كان أبرزها قصف إسرائيلي استهدف دبابات سورية بذريعة “حماية الدروز”.

اشتباكات تتصاعد… وسقوط عشرات القتلى

وارتفعت حصيلة القتلى في الاشتباكات الدائرة في محافظة السويداء، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى 89 قتيلاً، بينهم 46 من المقاتلين الدروز، و18 من البدو، و14 عنصراً من قوات الأمن، إلى جانب أربعة مدنيين (امرأتان وطفلان)، وسبعة مجهولي الهوية بلباس عسكري.

وأفادت مصادر محلية بأن الاشتباكات بدأت إثر اختطاف شاب درزي من قبل مسلحين من عشيرة بدوية نصبوا حاجزاً على طريق السويداء – دمشق، قبل أن تتطور إلى عمليات خطف متبادلة بين الطرفين. وبالرغم من إطلاق سراح المخطوفين ليل الأحد، تصاعد التوتر بشكل حاد الإثنين.

وفي مشهد يعكس خطورة الوضع، أُفرغت شوارع مدينة السويداء من المارة، وأُغلقت المحال التجارية، فيما كانت أصوات القصف والرصاص تُسمع في محيط المدينة، بحسب مراسلي وكالات الأنباء. وشوهدت سيارات إسعاف تنقل مصابين إلى مستشفيات دمشق، بالتزامن مع تحرك أرتال أمنية وعسكرية ضخمة نحو خطوط التماس.

بيان حكومي: “تعرضنا للغدر”

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، في تصريح لوكالة “الأناضول”، إن قوات الأمن دخلت المحافظة لـ”فض الاشتباك بين الأطراف المسلحة”، لكنها تعرضت لـ”غدر”، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوفها. وأضاف: “ردت قواتنا بقوة بما يضمن فرض الأمن وتحقيق الوحدة الوطنية”.

وزارة الداخلية كانت قد أعلنت في وقت سابق عن إطلاق عملية أمنية في السويداء لـ”نزع سلاح المجموعات الخارجة عن القانون وفرض سلطة الدولة”، وهو ما قوبل برفض صريح من الزعيم الروحي الأبرز للطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ حكمت الهجري.

الهجري يرفض دخول الأمن ويطالب بـ”حماية دولية”

وفي بيان نُشر على صفحته في “فيسبوك”، قال الشيخ حكمت الهجري:
“نرفض دخول الأمن العام والهيئات الحكومية إلى مناطقنا، خاصة بعد ما جرى الليلة الماضية من قصف استهدف أهلنا في القرى الحدودية، وقيام هذه القوات بمساندة العصابات التكفيرية بأسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة”، وفق تعبيره.

وطالب الهجري بـ”حماية دولية فورية وسريعة”، محمّلاً المسؤولية الكاملة “لكل من يسعى إلى إدخال الأمن إلى مناطقنا أو يشارك في الاعتداء على أهلنا”.

وتُعد هذه الدعوة إلى تدخل دولي تطوراً غير مسبوق في موقف الزعامة الدينية الدرزية في سوريا، ما أثار موجة من الجدل والقلق من سيناريوهات تصعيدية قد تفتح باب التدخلات الخارجية.

قصف إسرائيلي بذريعة “حماية الدروز”

وفي خضم التصعيد، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الإثنين أنه شن هجوماً استهدف عدة دبابات تابعة للقوات السورية في منطقة قرية سميع بمحافظة السويداء. وقال في بيان مقتضب إن القصف يأتي في إطار “حماية السكان الدروز”، دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل.

ويُعد هذا القصف أول تدخل عسكري إسرائيلي معلن في هذه المنطقة، على الرغم من التهديدات السابقة التي أطلقتها تل أبيب لحماية “الطائفة الدرزية”، التي يعيش نصف أفرادها حول العالم – ويقدر عددهم بمليون نسمة – في سوريا.

رئاسة روحية درزية ترفض الانفصال وتتمسك بوحدة سوريا

وبالرغم من مطالبة الشيخ حكمت الهجري بحماية دولية، أصدرت مجموعة من زعماء ووجهاء الطائفة الدرزية بياناً مشتركاً أكدت فيه “التمسك بسوريا الموحدة، ورفض أي دعوات للتقسيم أو الانفصال أو تدخل خارجي”، في محاولة لاحتواء الأزمة ومنع توسعها.

يُذكر أن الزعامة الروحية لدى الدروز في سوريا موزعة تقليدياً بين ثلاث عائلات: الهجري والحناوي والجربوع، ويتولى كل منها لقب “شيخ عقل”، في إطار توازن ديني واجتماعي متوارث منذ عقود.

خلفيات سياسية وأمنية معقدة

تشهد محافظة السويداء منذ سنوات حالة من الفوضى الأمنية نتيجة غياب السلطة المركزية وظهور فصائل محلية مسلحة تتولى إدارة الشؤون اليومية. ومنذ أيار/مايو 2024، تولى مسلحون دروز إدارة الأمن بالمحافظة بموجب اتفاق غير معلن مع الحكومة.

لكن عودة الجيش والأمن إلى المحافظة، خاصة في ظل الحكومة السورية الانتقالية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع (الذي تولى السلطة نهاية 2024 بعد الإطاحة ببشار الأسد)، تثير مخاوف محلية من إعادة فرض السيطرة المركزية بالقوة دون تفاهم مسبق مع المكونات المحلية.

ويعيش في السويداء نحو 700 ألف درزي، يشكلون الكتلة السكانية الأكبر في المحافظة. ويتوزع الدروز في سوريا أيضاً في بلدات قرب دمشق وريف إدلب، إلى جانب تواجدهم في لبنان والأردن وفلسطين المحتلة.

تحذيرات من تفكك أمني شامل

الاشتباكات في السويداء تأتي بعد حوادث مشابهة في مناطق الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، وفي محيط دمشق، وسط تحذيرات متزايدة من انفجار أمني شامل قد يعصف بالمرحلة الانتقالية في البلاد.

ويحذر مراقبون من استغلال إسرائيل للأوضاع الأمنية الهشة لتوسيع نفوذها في الجنوب السوري، لا سيما مع استغلالها ذريعة “حماية الدروز” لتبرير تدخلاتها.

وفي هذا السياق، دعا وزير الداخلية أنس خطاب إلى “تفعيل دور مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية لفرض السلم الأهلي”، محذراً من أن “غياب هذه المؤسسات كان السبب الرئيسي في فوضى السويداء”.

السويداء على مفترق طرق خطير. بين المطالبات بالحماية الدولية، ورفض التدخلات الخارجية، ودعوات الحكومة لبسط الأمن، وتهديدات إسرائيلية بالتدخل، يقف جنوب سوريا على حافة تصعيد مفتوح قد يهدد الاستقرار الوطني الهش، في وقت لا تزال فيه البلاد تحاول الخروج من سنوات من الحرب والدمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى