أقلام يورابيا

الدولة العربية المأزومة

جلال مصطفى الفلاح

إن النهضات العربية التي حصلت ما بعد الحرب العالمية الثانية من نمو وتطور لم يخضعا لسنّة النشوء والإرتقاء بل لسنّة التدهور والإنحطاط واتضح أن هذه الأوطان الهشة غير المستقرة والثابتة تنطوي على بنى تقليدية قديمة كالعشائرية و الطائفية والإثنية وتدين بالتبعية للمصالح الأجنبية عندما استطاع الغرب أن يلحق المنطقة برمتها بدورته الرأسمالية العالمية كمصدرٍ للمواد الخام وسوقاً استهلاكياً لمنتوجاته وممراً استراتيجياً لطرق تجارته.
وهذا التدهور والإنحطاط يعود أولاً على عدم إدراك العرب خصوصية تكوينهم السياسي وهي خصوصية مثقلة بأعباء التاريخ و الجغرافيا.

وثانياً أن الحالة السياسية في أغلب بلاد العرب تدار بإسلوب إدارة الأزمة و ليس حل الأزمة من جذورها وهذا خلّف شرخاً وتنافراً كبيراً بين مكونات هذه الدول و خلق هويات مذهبية وإثنية وقبلية في البلد الواحد شكّلت إعاقة في بناء الوطن الواحد القادر على حماية مقدراته من الأخطار المحدقة به.

ثالثاً تعاني الأمة من فصام بين الخطاب السياسي و السلوك السياسي أي نتحدث عن وحدة المجتمع و بنائه ثم نخوض في عوامل التجزئة و التفرقة بين مكوناته ، نبشر بالحرية و الكرامة والمساواة ثم نتحاور بالرصاص.
رابعاً تعاني الأمة من ظاهرة خطيرة و هي القابلية للدكتاتورية والطغيان و القابلية للتشرذم و التفكك القابلية للخرافة و الوهم القابلية للجهل والتخلف والأخطر القابلية للتدخل الأجنبي.

خامساً أن حقبة الصراع مع الطغاة وكهانهم وأصنامهم وشراذمهم لن تغيب مع إنقضاء رموزهم أو حتى جميعهم لأن الطغيان و الجهل والتخلف والوهم له جذوره شبه المتأصلة في تربة أمتنا المقهورة من قرون كما أنه سيظل قابلاً لإستنساخ هذه الأعراض و بأشكال مختلفة فليس خلفاء الطغاة هم الرجال حقاً.
وعليه لن تستطيع الأمة أن تخرج من هذا النفق المظلم إلاّ من خلال رؤية عملية وعلمية وبرامج عمل واستيعاب حقيقي لمقومات القوة الحضارية في هذا العصر حتى لا تترك الأمة تقدم التضحيات دون أن تكون بوصلة هادئة في البحر الهائج نازفة دون خطة علاج تبني مستقبلها وتكون قادرة على بناء ما تريد لأن روعة الإستشهاد لا تعوّض عن امتحان القدرة على البناء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى