السلايدر الرئيسيتحقيقات

الوريث المراهق والزعيم المريض.. هل تشتعل الشيشان في معركة الخلافة بعد أفول نجم قديروف؟

من سعيد جوهر

واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ في ظل التكهنات المتزايدة حول صحته، غاب رمضان قديروف، الرجل القوي المتحالف مع الكرملين والذي يحكم المنطقة، عن الأنظار بشكل ملحوظ، بينما كان يعد ابنه المراهق للمستقبل.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير موسع إن رمضان قديروف، الذي مثّل لعقود القبضة الحديدية للكرملين في الشيشان، بات الآن محور شكوك وتساؤلات بعد أنباء متزايدة عن إصابته بمرض خطير. فقد خدم الرجل، البالغ من العمر 48 عامًا، مصالح موسكو من خلال سحقه لحركة الاستقلال الشيشانية بوحشية، ومُنح في المقابل حرية شبه مطلقة في إدارة الشيشان كإقطاعية شخصية، حيث قمع معارضيه بلا هوادة، وحوّل المنطقة إلى كيان شبه مستقل سياسيًا وأمنيًا.

صعود قوة فريدة في نظام استبدادي


وأضافت الصحيفة أن قديروف لم يكن مجرد زعيم محلي، بل شكّل مركز قوة فريد داخل النظام الروسي، مستفيدًا من دعم مالي سخي وصلاحيات أوسع من تلك الممنوحة لقادة الأقاليم الآخرين. وامتلك ما يشبه جيشًا خاصًا، وفرض نظامًا إسلاميًا صارمًا على الرغم من تعارضه مع القوانين الروسية. كما خاض سياسة خارجية مستقلة نسبيًا، معززًا علاقاته بالخليج العربي، ومتبنيًا مواقف في بعض الأحيان لا تتفق مع توجهات الكرملين.

غياب متزايد وأحاديث عن المرض


وذكرت الصحيفة أن الحديث عن صحة قديروف لم يعد مجرد شائعة. فمنذ عام 2023، ظهرت مقاطع فيديو تشير إلى تدهور ملحوظ في حالته الصحية، كان أبرزها مقطع في مايو/أيار الماضي، ظهر فيه بوجه شاحب وسير بطيء، مرتديًا سترة سوداء على رأسه، بينما يُسمع صوت شخص يردد كلمات غامضة عن المرض والموت لم يكن صوته. اختفى عن الأنظار لفترات طويلة، وتراجعت نشاطاته العامة بشكل واضح مقارنة بالسنوات الماضية.

السلالة الوراثية في طور التمكين


وأشارت الصحيفة إلى أن قديروف بدأ فعليًا في إعداد ابنه آدم، البالغ من العمر 17 عامًا، كوريث محتمل. رغم أن القانون الروسي يشترط بلوغ سن الثلاثين لتولي قيادة إقليمية، فإن آدم قد حصل بالفعل على مناصب رسمية حساسة، منها أمين مجلس الأمن الشيشاني وممثل والده في وزارة الداخلية. وفي مشهد يعكس هذا التمكين السريع، ترأس آدم، الذي تخرج من الثانوية مؤخرًا، اجتماعات لمسؤولين أمنيين في مشاهد أثارت سخرية وغضبًا في أوساط الشيشانيين المنفيين.

منافسون محتملون ومعارك خلف الكواليس


وقالت الصحيفة إن سيناريو انتقال السلطة قد لا يكون سلسًا، خاصة أن هناك وجوهًا أخرى طامحة أو مقبولة من الكرملين، من بينهم ماغوميد داودوف، الذي اكتسب شهرة بسبب قيادته حملة قمع ضد المثليين، وأصبح يقرأ خطابات قديروف في غيابه. كما يبرز اسم أبتي علاء الدينوف، القائد العسكري السابق الذي يقاتل الآن في أوكرانيا، ويُنظر إليه على أنه شخصية مقربة من موسكو وصاحب خبرة عسكرية تزداد أهمية في الوقت الحالي.

انهيار خطاب الرعب اليومي


وتابعت الصحيفة أن اختفاء قديروف عن الساحة أحدث فراغًا ملموسًا، حتى وإن لم يتحول بعد إلى اضطراب. فالحياة العامة في الشيشان أصبحت أقل توترًا، وتراجعت التهديدات العلنية عبر التلفزيون التي كانت تستهدف المعارضين أو المدنيين. إحدى المقيمات في غروزني، تبلغ من العمر 27 عامًا، قالت للصحيفة إن الناس باتوا يتحدثون عن مرض قديروف بصوت منخفض، يعبرون عن مشاعر مختلطة من الشفقة والخوف مما قد يأتي بعده.

من سيفرض النظام في مرحلة ما بعد قديروف؟


أضافت نيويورك تايمز أن غياب قديروف أو وفاته قد يُعيد طرح السؤال القديم: من يستطيع فرض السيطرة على إقليم عانى من حربين دمويتين في العقود الأخيرة؟ بينما يبدو الكرملين في وضع مستقر حاليًا، فإن فقدان رجل بثقل قديروف قد يخلّ بتوازن دقيق، لا سيما في منطقة تحكمها شبكات ولاء معقدة وأجهزة أمنية موازية.

تاريخ ولاء بصفقة دموية


استعادت الصحيفة جذور العائلة في الحكم، مشيرة إلى أن أحمد قديروف، والد رمضان، كان زعيمًا دينيًا قاتل في صفوف المتمردين، قبل أن يبدّل ولاءه عام 2000 وينضم إلى روسيا. وقد كافأه بوتين بتعيينه رئيسًا للشيشان، لكن اغتياله عام 2004 مهد الطريق أمام رمضان لبناء سلطته الخاصة. منذ ذلك الحين، تم القضاء على خصومه بطرق وحشية، سواء داخل روسيا أو في الخارج.

“نظام الأموال مقابل الولاء” لا يزال قائمًا


رغم تجاوزاته الواسعة، لم يتردد الكرملين في ضخ الأموال إلى الشيشان مقابل استقرار نسبي. فوفق الصحيفة، بلغ حجم الإعانات الحكومية للشيشان هذا العام نحو 700 مليون دولار، وهو ما يعادل 15 ضعف ما تلقته منطقة كورسك، التي تعاني تداعيات الحرب مع أوكرانيا. وقد استخدم قديروف هذه الأموال لتدريب أكثر من 25 ألف عنصر، يُعتقد أنهم يشكلون قوته الخاصة، رغم انتمائهم الرسمي لقوات الأمن الروسية.

مصير غير محسوم وتوجس شعبي


قالت الصحيفة إن سكان الشيشان، الذين اعتادوا الخوف من قديروف ونظامه، يترقبون مستقبله الصحي والسياسي بمشاعر متناقضة. فالمرض، إن ثبت، قد يفتح نافذة لتغيير محتمل، لكنه أيضًا يطرح احتمال الدخول في مرحلة اضطراب أو صراع داخلي على السلطة. لا أحد يجاهر بتلك المخاوف داخل الإقليم، حيث لا مجال للانتقاد العلني، لكن الهمس في المنازل والمقاهي يتصاعد.

نهاية رجل أم ولادة نظام جديد؟


اختتمت نيويورك تايمز تقريرها بالإشارة إلى أن لحظة ما بعد قديروف قد لا تكون مجرد نهاية زعيم، بل اختبار حقيقي لمعادلة الاستقرار التي حافظ عليها الكرملين عبر “شراء الولاء” لعقود. وبين وريث مراهق وأمراء حرب سابقين، يبقى مصير الشيشان رهين تطورات صحية غامضة، وسيناريوهات سياسية لا تزال قيد الصياغة خلف الأبواب المغلقة في موسكو وغروزني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى