ثمة جملة من الدلالات المهمة والاستراتيجية للعدوان الإسرائيلي المفاجئ، الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة يوم الثلاثاء التاسع من سبتمبر 2025، وهو الهجوم الأول من نوعه الذي يستهدف دولة خليجية، وعاصمة لطالما كانت مضرباً للمثل في الرخاء والاستقرار والطمأنينة، حتى إن من زاروا قطر يتندرون دوماً بأنك تستطيع أن تترك هاتفك النقال أو محفظة المال الخاصة بك في أي من شوارع الدوحة، فتعود في اليوم التالي لتجد ما تركته كما هو وتسترده بأمان وطمأنينة.
العدوان الإسرائيلي على الدوحة كان مفاجئاً، ليس لأن قطر تلعبُ دور الوسيط من أجل التوصل إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة، وهو دور وافقت عليه إسرائيل والولايات المتحدة، واعترف به العالم بأكمله، بل كان محل شكر وامتنان من الأطراف كافة، التي وجدت في الدوحة وسيطاً مهماً لإطفاء نيران التوتر في المنطقة، ما يعني أن أي عمل إسرائيلي في قطر، أو ضدها يُشكل خيانة لها.
وعلى أية حال فهذه ليست العملية العسكرية الأولى التي يُنفذها الإسرائيليون في مواقع مختلفة من العالم؛ فقد سبق أن نفذ جهاز الموساد الإسرائيلي عمليات اغتيال في لبنان وسوريا وإيران وتونس والإمارات وماليزيا، ومواقع أخرى من العالم، كما إن بعض عمليات الاغتيال كانت عمليات عسكرية برية، كما هو الحال بالنسبة لاغتيال القيادي الفلسطيني البارز في حركة فتح خليل الوزير (أبو جهاد)، حينها دخلت قوة إسرائيلية عبر البحر إلى تونس ونفذت عملية الاغتيال، بعد أن اشتبكت مع الرجل داخل منزله يوم 16 أبريل 1988 وانتهت العملية باستشهاده وانسحاب المنفذين كافة، وإفلاتهم من العقاب حتى الآن.
عملية اغتيال أبو جهاد مشابهة أيضاً وإلى حد كبير، لعملية اغتيال القادة الثلاثة الكبار لمنظمة التحرير في سنة 1973، وهم: أبو يوسف النجار، كمال ناصر، وكمال عدوان، حيث نزلت قوات إسرائيلية خاصة إلى بيروت عبر البحر ونفذت عملية الاغتيال ثم انسحبت. لكنَّ الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الدوحة يحمل جملة من الدلالات بالغة الأهمية، وهذه أبرزها:
أولاً: إن قيام إسرائيل بتنفيذ محاولة الاغتيال لقادة حماس، عبر قصف جوي مباشر في وضح النهار، يعني بما لا يدعُ مجالاً للشك، أنَّ إسرائيل لم تتمكن من تجنيد عملاء على الأرض، ولم تنجح في اختراق الأمن القطري، ولم يكن ممكناً لها تنفيذ العملية براً، على غرار ما فعلت في لبنان وتونس مثلاً، أو على غرار ما فعلت عندما اغتالت محمود المبحوح في دبي في عام 2010، وهذا يؤكد بأن قطر لا تزال أرضاً آمنة ونظيفة، وما يستطيعُ الاحتلالُ أن يقوم به في أية دولة في المنطقة لا يستطيع القيام به في قطر.
ثانياً: محاولة الاغتيال الفاشلة تؤكد أن إسرائيل لم تنجح في اختراق الصف الأول من حركة حماس، ولا التجسس عليهم ولا على تحركاتهم، حيث تبين أنَّ إسرائيل لم تعلم بتغيير مكان الاجتماع، ولا من هم المشاركون فيه، وتبين أن أغلب من كانت تستهدفهم إسرائيل في محاولة الاغتيال هذه لم يكونوا أصلاً حاضرين في الاجتماع المستهدف.
ثالثاً: تنفيذ محاولة اغتيال عبر القصف الجوي المباشر لعاصمة عربية، يُشكل تأكيداً جديداً على أنَّ إسرائيل تُشكل تهديداً للأمن القومي العربي برمته، وأنها من الممكن أن تشن غارات على أية دولة عربية، من دون رادع، وأن اعتداءاتها لا تتوقف على الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا واليمن، وإنما تمتد إلى كل مكان، وهذا يستدعي موقفاً عربياً موحداً وصارماً.
رابعاً: العالم العربي عموماً، ومجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، أمام اختبار مهم وذي دلالات مستقبلية مهمة، فعندما قام العراق بالاعتداء على الكويت في صيف عام 1990 قررت دول الخليج كافة قطع علاقاتها مع بغداد، وفرض عقوبات على الرئيس صدام حسين، فيما ينتظر العرب والعالم رد الفعل الخليجي، أو الرد العربي المشترك على استهداف الدوحة.
والخلاصة هو أنَّ العدوان الإسرائيلي على الدوحة يحمل دلالات مهمة ينبغي الالتفات لها، لكن الجيد فيها والمهم هو أن الدوحة لم تتعرض لاختراق إسرائيلي، ولم يتمكن الإسرائيليون من نشر عملاء لهم هناك، ولا تفخيخ سيارات أو تسميم أشخاص أو إطلاق نار في أي اتجاه.. لم يتمكن الاسرائيليون من أن تطأ أقدامهم أرض الدوحة ولذلك نفذوا القصف جواً.
كاتب فلسطيني
عن صحيفة القدس العربي