رغم مؤشرات القطيعة.. الأردن لا يزال شريكًا أمنيًا وثيقًا لإسرائيل
من سعيد جوهر
واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أظهرت السياسة الأردنية اتجاهًا علنيًا نحو التصعيد الدبلوماسي مع إسرائيل، لكن التقييم الإستراتيجي الذي أعده المجلس الأطلسي يؤكد أن الشراكة بين الجانبين لا تزال قائمة وقوية، خاصة على المستويات الأمنية والاستخباراتية، رغم التصريحات والتصرفات التي توحي بخلاف ذلك.
ويشير التقرير إلى أن الأردن اتخذ سلسلة من الخطوات الرمزية منذ بداية العدوان، بينها الانسحاب من اتفاقية “الماء مقابل الطاقة” مع إسرائيل والإمارات، واستدعاء سفيره من تل أبيب، والتصويت في البرلمان على طرد السفير الإسرائيلي من عمان في مايو/أيار 2024، فضلاً عن مطالبته المجتمع الدولي بفرض حظر على تصدير الأسلحة لإسرائيل.
لكن، ما يظهر أنه قطيعة دبلوماسية لا يعكس الواقع الاستراتيجي العميق.
التعاون الأمني باقٍ رغم الحرب والضغوط
وفق المجلس، استمر التعاون العسكري والاستخباراتي بين عمان وتل أبيب، بل تعزز في عدة محطات حرجة. ففي أبريل/نيسان 2024، شارك الأردن، بتنسيق مع الولايات المتحدة، في التصدي لهجوم إيراني واسع شمل أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة أُطلقت باتجاه إسرائيل. ورغم تهديدات مباشرة من طهران، لعب الأردن دورًا حاسمًا في عمليات الاعتراض الجوية.
بعد ذلك بشهرين، حضر مسؤولون أردنيون اجتماعًا إقليميًا في المنامة إلى جانب قادة عسكريين من إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية أخرى، لمناقشة آليات تنسيق الدفاع الإقليمي.
ويقول المجلس إن الاجتماعات السرية بين الجانبين الأردني والإسرائيلي لم تتوقف، بما في ذلك التنسيق حول الأوضاع في سوريا عقب تدهور نظام الأسد، ما يعكس طبيعة العلاقة الأمنية المتجذرة بينهما.
إدارة الغضب الشعبي دون التضحية بالتعاون
يرى المجلس أن الإجراءات الأردنية العلنية مثل الانسحاب من مشاريع الطاقة، أو المواقف السياسية الحادة، تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي المتزايد في الشارع الأردني، حيث يشكّل الفلسطينيون غالبية السكان، دون المساس بالبنية الأمنية للعلاقات مع إسرائيل.
ومنذ توقيع اتفاقية السلام في 1994، تطورت العلاقات الأردنية-الإسرائيلية لتشمل التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات، بل وتسليم إسرائيل للأردن طائرات كوبرا هجومية عام 2015 لتعزيز قدراته في مواجهة الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا.
نفوذ إيران ومخاطر التهريب عبر الحدود
يحذر المجلس من أن النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، ومحاولات تهريب الأسلحة من العراق واليمن عبر الأراضي الأردنية، يمثلان تهديدًا جديًا للأردن وإسرائيل على حد سواء.
فقد أحبطت الأجهزة الأردنية والأميركية عدة محاولات لتهريب أسلحة نوعية تشمل ألغامًا ومتفجرات C4 وصواريخ كاتيوشا، بعضها كان في طريقه إلى الضفة الغربية. كما تسعى المليشيات المرتبطة بطهران إلى استغلال الفراغات الأمنية على الحدود.
وردًا على هذه التحديات، أقرّت الحكومة الإسرائيلية خطة أمنية بقيمة 1.4 مليار دولار لتعزيز أمن الحدود مع الأردن، عبر بناء جدار ذكي بطول 425 كلم، وزيادة التواجد العسكري.
بين الحاجة للسلام والمخاوف من الانفجار الشعبي
يحذر المجلس من أن استمرار الحرب في غزة قد يعرّض التحالف الأردني-الإسرائيلي إلى هزات خطيرة. فالغضب الشعبي في الأردن لا يتعلق فقط بمواقف المملكة تجاه الحرب، بل يتفاقم بفعل الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، وتآكل الثقة بالمؤسسات.
ويذكّر التقرير بالاضطرابات السياسية السابقة، خصوصًا الاتهامات التي طالت الأمير حمزة عام 2021، والتي لا تزال تلقي بظلالها على استقرار النظام.
ويقول التقرير: “يدرك الملك عبد الله الثاني أن الحفاظ على العلاقة مع إسرائيل مهم استراتيجيًا، لكنه أيضًا يواجه تحديًا متناميًا في تبرير هذه العلاقة داخليًا، ما يتطلب إعادة ضبط المعادلة بطريقة أكثر توازناً”.
وفي ضوء التحديات التي تواجه العلاقة الأردنية-الإسرائيلية، أوصى المجلس الأطلسي بأن يعمل الجانبان على تعزيز شراكتهما الأمنية بهدوء، بعيدًا عن الأضواء، مع التركيز على ضمان أن يحمل هذا التعاون قيمة استراتيجية حقيقية لكليهما. ويرى المجلس أن من بين السبل الممكنة لذلك قيام إسرائيل بدعم الدفاعات الجوية الأردنية بشكل غير معلن، عبر نشر منظومات مثل “القبة الحديدية” أو “آرو-3” قرب الحدود، ما سيوفر مظلة وقائية فعالة ضد التهديدات الجوية المرتبطة بإيران دون أن يثير ردود فعل سلبية داخل الأردن.
كذلك يشير التقرير إلى أهمية تحويل التعاون الاستخباراتي إلى إطار مؤسسي أكثر انتظامًا، من خلال تأسيس منصات أو خلايا مشتركة لتبادل المعلومات، بما يمكّن عمّان وتل أبيب وواشنطن من رصد التهديدات في وقت مبكر والتعامل معها بشكل منسق، لا سيما في ملفات التهريب، والدفاع السيبراني، والأنشطة العسكرية غير النظامية.
وفي البعد الاقتصادي، يشدد المجلس على ضرورة توسيع دور الأردن في مشروع “الجسر البري” الذي يربط إسرائيل بالخليج، من خلال تحديث البنى التحتية وتعزيز التنسيق التنظيمي، مع الحرص على تضمين هذا النوع من المشاريع ضمن مبادرات متعددة الأطراف، مثل “ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا” أو شبكة السكك الحديدية الإقليمية، وذلك لتقليل الحساسية السياسية المصاحبة لها، وتعزيز القبول المحلي لها في الأردن.
كما يقترح المجلس إحياء اتفاق “الماء مقابل الطاقة” بين الأردن وإسرائيل والإمارات، على أن يتم ذلك بمشاركة أطراف دولية كالاتحاد الأوروبي أو البنك الدولي، ما من شأنه أن يقلل من الانطباع الشعبي بوجود ارتباط مباشر مع إسرائيل، ويُسهّل تنفيذ المشروع دون مواجهة عراقيل داخلية.
وفي المجمل، يرى المجلس الأطلسي أن اتباع هذه المسارات سيساعد ليس فقط في تثبيت العلاقة الأمنية الأردنية-الإسرائيلية، بل في توفير أدوات عملية للقيادة الأردنية لمواجهة حالة السخط الداخلي، وتحسين الوضع الاقتصادي، والتعامل مع التهديدات الإقليمية المتصاعدة في ظل بيئة شرق أوسطية تتجه نحو مزيد من التعقيد والتصعيد.