تقرير استقصائي لسكاي نيوز البريطانية: تل أبيب والسلطة ودول عربية يدعمون 4 ميليشيات في غزة لإقامة “غزة جديدة” بلا حماس
من سعيد سلامة

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ كشفت شبكة سكاي نيوز البريطانية في تقرير استقصائي حصري عن تفاصيل خطة سرية تحمل اسم “غزة الجديدة”، تتضمن دعم إسرائيل ودول عربية والسلطة الفلسطينية لأربع ميليشيات فلسطينية مسلحة تعمل داخل قطاع غزة، بهدف إزاحة حركة حماس من الحكم وتهيئة مرحلة جديدة لما بعد الحرب.
وقالت الشبكة إن هذه الميليشيات الأربعة (بقيادة حسام الأسطل، ياسر أبو شباب، رامي حلس، وأشرف المنسي) تعتبر نفسها جزءًا من مشروع مشترك لإعادة تشكيل الواقع في غزة، وتحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من إسرائيل وعدد من الدول العربية والغربية.
وأكدت “سكاي نيوز” أن تلك الجماعات تنشط في مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية خلف ما يعرف بـ “الخط الأصفر”، وهو الحد الفاصل الذي حدد لنشر قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
ونقلت الشبكة عن زعيم الميليشيا حسام الأسطل قوله من قاعدته في جنوب غزة:”لدينا مشروع رسمي مشترك، أنا وياسر أبو شباب ورامي حلس وأشرف المنسي. نحن معًا من أجل غزة الجديدة، وسنحقق السيطرة الكاملة قريبًا وسنجتمع تحت مظلة واحدة”.
وفي مقاطع مصوّرة بثتها “سكاي نيوز”، ظهرت عناصر من ميليشيا الأسطل وهي تستعرض قوتها قرب قاعدتها، في حين يسمع صوت دبابات إسرائيلية قريبة. وقال الأسطل للشبكة:”أسمع أصوات الدبابات الآن، لكنني لست قلقًا. هناك اتفاق عبر المنسق بأن هذه منطقة خضراء لا يجوز استهدافها بالقصف أو إطلاق النار.”
“غزة الجديدة”… من أنقاض الحرب إلى مشروع سياسي وعسكري
تصف “سكاي نيوز” المنطقة التي تعمل فيها هذه الميليشيات بأنها سلسلة من السواتر والأنقاض العسكرية كانت فيما مضى ضاحية خضراء في مدينة خان يونس، ثاني أكبر مدن قطاع غزة.
ويقول الأسطل إنه نشأ هناك، لكنه اضطر إلى الفرار عام 2010 بعد ملاحقته من قبل حماس بسبب صلاته بجماعات موالية للسلطة الفلسطينية. أمضى بعدها أحد عشر عامًا خارج القطاع، عمل خلالها لصالح أجهزة الأمن الفلسطينية في مصر وماليزيا.
وبعد عودته إلى غزة، اتُهم بالضلوع في اغتيال أحد عناصر حماس في ماليزيا عام 2018 وصدر بحقه حكم بالإعدام. ويروي الأسطل أنه عندما اندلعت الحرب الأخيرة، تُرك محتجزًا في السجن “على أمل أن يقصفه الإسرائيليون”، لكنه تمكن من الهرب بعد شهرين.
ويقول إن أسلحته تُشترى من سوق سوداء يديرها مقاتلون سابقون من حماس، بينما يتم إدخال الذخائر والمركبات عبر معبر كرم أبو سالم بعد التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وهو نفس المعبر الذي تستخدمه ميليشيا أبو شباب أيضًا.
وتقول “سكاي نيوز” إنها كانت قد كشفت في تقارير سابقة أن ميليشيا ياسر أبو شباب تهرّب مركبات إلى غزة بمساعدة الجيش الإسرائيلي وتجار سيارات عرب إسرائيليين. ويؤكد الأسطل أنه يتعامل مع الوكيل ذاته، مشيرًا إلى أن بعض سياراته لا تزال تحمل كتابات عبرية على جوانبها.
وتُظهر لقطات بثتها القناة شاحنات بضائع تصل بانتظام إلى قواعد هذه الميليشيات، فيما أظهرت صور أقمار صناعية بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول شاحنة مشابهة متجهة نحو أحد المخيمات التابعة لهم.
وأضاف الأسطل أن مجموعته تقدم “دعماً طبياً وتعليمياً أساسياً لنحو 30 أسرة”، وتشرف على توزيع الأغذية والمساعدات للأطفال، في وقتٍ “يعاني فيه المدنيون في مناطق حماس من الجوع ونقص الإمدادات”، على حد قوله.
شبكة من الميليشيات… وتنسيق غير مباشر مع الجيش الإسرائيلي
وأكدت “سكاي نيوز” أن الميليشيات الأخرى العاملة في شمال غزة، بقيادة رامي حلس وأشرف المنسي، تتلقى أيضًا إمدادات من إسرائيل عبر ممرات تخضع لإشراف مكتب التنسيق والارتباط التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية، والذي يضم أيضًا مسؤولين من السلطة الفلسطينية.
وقال أحد عناصر ميليشيا حلس للقناة إن التنسيق يتم “بشكل غير مباشر” من خلال هذا المكتب. ويدعم هذا ما أكده الأسطل نفسه، إضافة إلى جندي إسرائيلي متمركز عند معبر كرم أبو سالم، وقائد كبير في ميليشيا أبو شباب، وجميعهم تحدثوا عن آلية اتصال غير مباشرة تضمن استمرار تدفق الإمدادات.
وأشار الأسطل إلى أن “بعض أفراد مجموعته لا يزالون موظفين لدى السلطة الفلسطينية”، لكنه أوضح أن السلطة لا تستطيع الاعتراف بذلك علنًا لتجنب الحرج السياسي، قائلاً:”لو علم الناس أن للسلطة علاقة بالميليشيات أو بقوات الاحتلال، لتخيلتم حجم رد الفعل.”
اتهامات بالتنسيق العسكري مع إسرائيل
ورغم اعترافه بتنسيق لوجستي مع الجانب الإسرائيلي، نفى الأسطل بشدة أي تنسيق عسكري مباشر مع جيش الدفاع الإسرائيلي. غير أن “سكاي نيوز” ذكرت أن طائرات إسرائيلية تدخلت في اثنتين من المعارك التي خاضتها ميليشيا أبو شباب ضد حماس.
واتهمت حماس ميليشيا الأسطل بالتعاون الميداني مع إسرائيل، خاصة بعد مقتل عدد من مقاتليها خلال معركة في 3 أكتوبر/تشرين الأول أعقبها قصف إسرائيلي مباشر لمواقع الحركة.
ويقول الأسطل تعليقًا على ذلك:”الإسرائيليون استهدفوا مجموعات حماس لأنهم رأوها تهدد الأمن… لم يكن هناك أي تنسيق من جهتنا.”
وفي رواية مؤثرة، تحدث الأسطل عن فقدانه ابنته نهاد (22 عامًا)، الحامل في شهرها السابع، إثر غارة إسرائيلية استهدفت خيمته في أبريل/نيسان الماضي، وقال:”يتهمونني بالعمالة… فهل الإسرائيليون كانوا يمزحون معي عندما قصفوني بصاروخ؟”
دعم خارجي وتمويل عربي غامض
وأكدت مصادر متعددة لشبكة سكاي نيوز أن بعض الميليشيات تتلقى أيضًا دعماً من قوى عربية خارجية. وأشارت القناة إلى أن نائب زعيم ميليشيا أبو شباب، غسان الدهين، شوهد بجوار سيارات تحمل لوحات إماراتية، كما لاحظت القناة تشابه شعارات تلك المجموعات مع شعارات ميليشيات مدعومة من الإمارات في اليمن.
ولم ترد الإمارات العربية المتحدة على طلب “سكاي نيوز” للتعليق على هذه المعلومات.
وعندما سُئل الأسطل عن ذلك، ابتسم قائلاً:”إن شاء الله، سيتضح كل شيء مع الوقت… نعم، هناك دول عربية تدعم مشروعنا.”
وأوضح أن هذا المشروع يحمل اسم “غزة الجديدة”، قائلاً:”سنكون الإدارة الجديدة لغزة قريبًا… لا حرب، لا حماس، لا إرهاب. نحن نريد غزة جديدة، تعيش في سلام مع الجميع.”
تطابق لافت مع تصريحات كوشنر
وذكّرت “سكاي نيوز” بأن هذه العبارة “غزة الجديدة” استخدمها أيضًا جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره، بعد يومين فقط من حديث القناة مع الأسطل.
وقال كوشنر للصحفيين:”لن تذهب أموال إعادة الإعمار إلى المناطق التي لا تزال حماس تسيطر عليها. هناك تفكير جاد في بناء غزة جديدة في المناطق التي تؤمّنها قوات الدفاع الإسرائيلية لتوفير وظائف ومساكن للفلسطينيين.”
صمت رسمي من الأطراف المعنية
وأشارت “سكاي نيوز” إلى أن الجيش الإسرائيلي رفض التعليق على نتائج التحقيق، كما امتنعت كل من حماس والسلطة الفلسطينية ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية عن الرد على طلبات القناة.
واختتمت الشبكة تقريرها بالقول إنّ مشروع “غزة الجديدة” يعكس “تحولاً خطيرًا” في مسار ما بعد الحرب، إذ يبدو أن إسرائيل ـ رغم وقف القتال ـ تسعى إلى إعادة تشكيل السلطة في القطاع عبر وكلاء محليين، في مشهد يثير تساؤلات كبرى حول مستقبل غزة السياسي والأمني.