توتر العلاقات بين مصر وسوريا مستمر… والقاهرة طالبت دمشق بتسلم “ارهابيين” ومتخوفة من محور خليجي ـ سوري ـ تركي يتشكل بالمنطقة
من سعيد هنداوي
القاهرة ـ يورابيا ـ من سعيد هنداوي ـ شهد العلاقات بين مصر وسوريا توتراً متزايداً على خلفية التطورات السياسية التي شهدتها دمشق بعد سقوط نظام الأسد، حيث لم تنجح محاولات التقارب الدبلوماسي التي رعتها دول إقليمية كتركيا في تحقيق انفراجة حقيقية بين الطرفين. ففي فبراير الماضي، جمع لقاء بين وزيري خارجية البلدين في العاصمة التركية أنقرة، لكن هذه الخطوة لم تسفر عن اختراقات عملية، بل أظهرت الفجوة الكبيرة في الرؤى والمواقف بين القاهرة ودمشق.
على الأرض المصرية، تصاعدت الإجراءات القضائية والسياسية التي تنم عن توجه واضح للتشدد في التعامل مع سوريا الجديدة، حيث وافقت محكمة القضاء الإداري في مصر على النظر في دعوى ضد الرئيس السوري أحمد الشرع، تتهمه بارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، لا سيما ضد الأقليات الطائفية والدينية في الساحل السوري.
وتعكس هذه الدعوى تغيّراً في الموقف المصري مقارنة بالتقارير الأوروبية التي تحمّل في الغالب فصائل المعارضة مسؤولية أحداث الساحل.
وتستند الدعوى إلى توثيق عدد من الانتهاكات التي حدثت خلال الأشهر الماضية، خاصة في مناطق الساحل السوري ووسط البلاد، حيث أفادت تقارير للمرصد السوري لحقوق الإنسان بوقوع حالات قتل خارج القانون، واعتقالات تعسفية، وعمليات تهجير قسري استهدفت أبناء الطائفتين العلوية والشيعية، ما يعيد إلى الأذهان انتهاكات حقبة ما قبل الثورة.
وتطالب الدعوى, السلطات المصرية, ممثلة في رئيس النظام المصري, عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس الوزراء، ووزارة الخارجية، باتخاذ إجراءات قانونية وسياسية ضد الشرع، بما يشمل مخاطبة المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، بشأن ما وصفته “بجرائم ضد الإنسانية”، والمطالبة بإدراجها ضمن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
في الوقت ذاته، تشهد مصر تشدداً في سياساتها تجاه اللاجئين والطلاب السوريين، عبر تقييد منحهم الأوراق الرسمية، ومنع بعضهم من العودة إلى مصر عقب زيارات قصيرة إلى سوريا، وإيقاف تجديد إقاماتهم بحجة عدم الالتزام بالإجراءات القانونية، مما يعكس انعدام الثقة بين الجانبين على المستويات الشعبية والرسمية.
مصادر القلق الأمني.. وجود متهمين إرهابيين في سوريا
وتقول مصادر امنية لـ”يورابيا” ان أسباب القلق المصري تتجاوز حدود السياسة والاقتصاد إلى ملف أمني حساس، وهو وجود عناصر مصنفة إرهابية مطلوبين لدى السلطات المصرية ومتواجدين في سوريا وطالبت مصر النظام السوري الجديد بتسليمهم ولم تتلق القاهرة اي رد على ذلك فيما اعتبرته مصر خطوة عدائية نحوها ، خاصة في ظل تسليم النظام عدد من المطلوبين لانظمة اخرى بالمنطقة.
وبحسب تقارير متعددة من أجهزة الأمن والاستخبارات، فإن بعض المتهمين في قضايا إرهابية خطيرة فروا إلى سوريا خلال سنوات النزاع السوري، حيث وجدوا ملاذاً آمناً في مناطق خاضعة لسيطرة فصائل مختلفة أو حتى ضمن مناطق تتواجد فيها قوات النظام السوري.
من بين هؤلاء، يبرز اسم المتهم بقتل النائب العام المصري السابق هشام بركات، الذي اغتيل في يونيو 2015 في القاهرة، حيث تشير تقارير أمنية إلى تورط متهمين مرتبطين بتنظيمات إرهابية متواجدة في سوريا، كما أشارت تقارير إعلامية إلى أن بعض المطلوبين المصريين ظلوا يتنقلون بين مناطق شمال سوريا وتركيا، مستفيدين من حالة الفوضى الأمنية هناك.
وقد شددت مصر من مطالبها بإعادة هؤلاء المطلوبين وتسليمهم للعدالة، وهو ملف يظل من أبرز أسباب التوتر بين القاهرة ودمشق.
هذا الواقع يعكس مخاوف القاهرة من أن استقرار الوضع في سوريا لا يقتصر على إعادة النظام فقط، بل على مدى قدرته على ضبط عناصر متطرفة قد تهدد الأمن القومي المصري.
مخاوف مصرية من الخلفية الاسلاموية للنظام الجديد
لم تخف السلطات المصرية مخاوفها منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد عبر عملية عسكرية نفذتها فصائل المعارضة السورية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام ذات الخلفية الإسلامية، تأخرت في السماح برفع العلم السوري الجديد على السفارة السورية في القاهرة، وزاد التشديد في مسألة منح إقامات للسوريين.
وازداد القلق المصري الرسمي مع الاعتراف الدولي المتسارع بالإدارة السورية الجديدة، على الرغم من خلفياتها الفكرية المختلفة، حيث فتحت دول مثل فرنسا والإمارات أبوابها أمام مسؤولي دمشق، وأبرمت معهم اتفاقيات اقتصادية متبادلة.
ويثير هذا التطور مخاوف القاهرة من أن يؤدي ذلك إلى تنشيط التيارات الإسلامية في الداخل المصري.
التحالف الخليجي ـ التركي ـ السوري وأثره على الأمن والاقتصاد المصري
تتوالى المؤشرات على تشكل محور إقليمي يضم دول الخليج العربي وتركيا وسوريا بعد إزاحة الأسد، ويسعى هذا المحور لتعزيز مصالحه الاقتصادية والأمنية، لا سيما في قطاع الطاقة.
ففي مطلع عام 2025، عاد الحديث عن إحياء خط الغاز القطري الذي سيمر عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، مما يعزز موقع دمشق كممر استراتيجي للطاقة، ويشكل تنافساً مباشراً لمصر التي تطمح لأن تكون مركزاً إقليمياً لتصدير الغاز، خاصة بعد اتفاقياتها الأخيرة مع شركات أوروبية لتطوير حقول الغاز وربطها بمحطات التسييل لديها.
تتجلى المنافسة الإقليمية بوضوح في منتدى غاز المتوسط، الذي تركزت فيه الجهود لتعزيز التعاون بين مصر ودول مثل اليونان وقبرص وإسرائيل، بينما استبعدت تركيا التي ترى أن المنتدى يستهدف مصالحها. وهنا، تلعب سوريا دوراً إضافياً في تعقيد المشهد، بسبب تموضعها الاستراتيجي وخطوط الطاقة التي تعبر أراضيها، ما يرفع من مستوى القلق المصري تجاه الدور السوري المستقبلي.
تهميش مصر في القمم الخليجية وسط استضافة الرئيس السوري
في خطوة أثارت استياءً واسعاً داخل الأوساط السياسية المصرية، شهدت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة تهميشا واضحاً لمصر من قبل بعض الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات وقطر. حيث وجهت الدعوة للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لحضور قمة خليجية أمريكية، في حين لم يتم توجيه دعوة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رغم مكانة مصر الإقليمية والتاريخية.
وقد مثّلت هذه الخطوة إشارة واضحة على التحول في موازين القوى الإقليمية، حيث بدا أن بعض العواصم الخليجية تفضل التقارب مع دمشق على حساب القاهرة، وذلك في ظل شعور القاهرة بتراجع دورها وتأثيرها في ملف المنطقة، بما في ذلك الملف السوري.
ويرى مراقبون أن هذا التهميش يعكس جزءاً من التوترات المستترة بين مصر والدول الخليجية، خاصة في ظل الاختلاف في الرؤى السياسية حول إدارة الأزمة السورية.
كما أثارت هذه التطورات قلقاً كبيراً في القاهرة بشأن مستقبل تحالفاتها الإقليمية، إذ بدا واضحاً أن بعض الدول الخليجية تعطي الأولوية لاستعادة علاقاتها مع دمشق، في حين تبقى مصر على هامش الأحداث، ما يزيد من عزلة القاهرة ويضعف من نفوذها في الملفات الإقليمية الحساسة.
وقد انعكس هذا التهميش بشكل مباشر على العلاقات الثنائية بين مصر وسوريا، حيث ازداد تشدد القاهرة في التعامل مع دمشق، خصوصاً في ملف اللاجئين والطلاب السوريين في مصر، إضافة إلى الإجراءات القانونية التي تستهدف رموز النظام السوري الجديد.
تقارب دمشق مع اسرائيل والآفاق المستقبلية للدور المصري
تمتلك مصر دوراً إقليمياً محوريًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تُعتبر من الدول الفاعلة في ملفات الأمن والاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل تاريخها الطويل في السياسة العربية والقدرة على التأثير في الصراعات الإقليمية الكبرى. ومن هذا المنطلق، فإن تهميش القاهرة على الساحة الإقليمية، وتراجع دورها في الملف السوري على وجه الخصوص، يثير مخاوف جادة داخل دوائر صنع القرار المصري من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار سوريا، الذي قد يمتد ليشمل دول المنطقة بأسرها.
وترى مصر في المحور الإقليمي الجديد الذي يشكل من دول الخليج وتركيا وسوريا تهديداً مباشراً لمصالحها، خاصة وأن هذا المحور يضم دولاً لها خلافات جوهرية مع القاهرة، ويعكس محاولة لإعادة رسم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط بعيداً عن الدور المصري التقليدي. كما تعتبر القاهرة أن هذا المحور يستهدفها بشكل غير مباشر، من خلال دعم أطراف إقليمية تناصبها العداء، وتعزيز مواقع في سوريا قد تضعف نفوذها فيما تتقارب دمشق بشكل متسارع مع اسرائيل وهو امر تنظر له مصر بعين الريبة.
هذا التوتر الإقليمي يتقاطع مع المخاوف الأمنية المصرية التي تركز على احتمال تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية المرتبطة بمحور تركيا-سوريا-الخليج، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعزيز الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وزيادة التهديدات الأمنية على حدود مصر، خصوصاً في سيناء.
لهذا، تُبدي القاهرة حرصاً متزايداً على إعادة تقييم مواقفها تجاه الأزمة السورية، وتوسيع تحالفاتها الإقليمية والدولية، من أجل المحافظة على دورها الاستراتيجي، وضمان استقرار سوريا بما ينسجم مع مصالحها الأمنية والسياسية.