واشنطن تشدّد ضغوطها على العصب المالي الحساس للميليشيات الشيعية في العراق
لندن ـ يورابيا ـ خاص ـ في خطوة تعكس تركيزاً أميركياً متزايداً على الحرب المالية كأداة لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، أقرّ الكونغرس الأميركي تعديلاً جديداً ضمن قانون الدفاع الوطني، يمنع تمويل الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، وعلى رأسها تلك المنضوية ضمن هيئة الحشد الشعبي. هذا التحرك لا يأتي من فراغ، بل ضمن استراتيجية أميركية متكاملة تراهن على أن كبح النشاط المالي لتلك الجماعات سيؤدي تلقائياً إلى تقليص نفوذها الأمني والسياسي داخل العراق والمنطقة.
المبادرة التي تقدم بها النائب الجمهوري جو ويلسون، ونجحت لجنة الخدمات المسلحة في تمريرها، تهدف إلى قطع الطريق أمام استخدام أموال دافعي الضرائب الأميركيين في دعم كيانات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تزامنت هذه الخطوة مع ضغوط متزايدة تمارسها واشنطن على بغداد، أبرزها تعطيل آلية صرف رواتب عناصر الحشد الشعبي، من خلال الضغط على شركة “كي-كارد” التي تدير عمليات الدفع الإلكتروني في العراق، وتهديدها بالعقوبات في حال الاستمرار بصرف الرواتب لتلك التشكيلات.
هذا التركيز على الجانب المالي لا يُعد جديداً في نهج واشنطن، لكنه بلغ مؤخراً مستوى غير مسبوق من التوسع والتنسيق، يشمل استهداف شبكات تهريب النفط، وغسيل الأموال، وتمويل الميليشيات عبر النظام المصرفي المحلي والدولي. وسبق لوزارة الخزانة الأميركية أن فرضت عقوبات على شركات وأفراد متورطين في تهريب النفط الإيراني عبر العراق، تحت غطاء قانوني ظاهري، ما شكل ضربة مباشرة لأحد أهم مصادر التمويل لطهران في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها.
الولايات المتحدة تدرك جيداً أن هذه الفصائل لم تعد مجرد جماعات مسلحة تعمل في الظل، بل تحوّلت إلى كيانات اقتصادية فاعلة، تسيطر على وزارات ومفاصل إدارية حساسة، مثل وزارة النفط والصناعة والمعادن، وتُسهم بشكل مباشر في تكوين شبكات مصالح اقتصادية مشتركة مع إيران. لهذا السبب، فإن الحرب ضدها لم تعد تقتصر على السلاح والميدان، بل باتت ترتكز على استهداف الشريان المالي الذي يغذي أنشطتها.
ويشير مسؤولون أميركيون إلى أن الميليشيات باتت بارعة في التكيّف مع الضغوط، حيث لجأت في السنوات الأخيرة إلى استغلال أنظمة الدفع العالمية مثل “فيزا” و”ماستر كارد” للحصول على الدولار الأميركي. وكشف تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن حجم المعاملات المالية عبر البطاقات الإلكترونية في العراق ارتفع بشكل صاروخي خلال عامين فقط، ما يُعد مؤشراً على محاولات تلك الجماعات إيجاد طرق بديلة لتجاوز القيود المفروضة عليها.
الإدارة الأميركية، من خلال هذه الحملة الاقتصادية المركّزة، تسعى إلى تجفيف منابع تمويل الميليشيات تمهيداً لحلها بالكامل. وهذا النهج الجديد، وإنْ كان بعيداً عن العناوين العسكرية المباشرة، قد يكون الأنجع في تحقيق هدف طالما سعت إليه واشنطن: إضعاف الذراع الإيرانية في العراق دون الدخول في مواجهات مكلفة.