اعلان حماس مؤخراً القضاء على ميليشيا مسلحة، كانت تتعاون مع قوات الاحتلال وتُقدم الخدمات اللوجستية للإسرائيليين، لا يُمكن أن يكون مجرد حدث عابر، أو مجرد خبر يومي، إنما تحمل هذه الحادثة جملة من الدلالات المهمة.
الميليشيا التي وصفتها حماس بأنها «وحدة مستعربين» موجودة في قطاع غزة، سرعان ما تبين أنها مجموعة مسلحة يقودها ياسر أبو شباب المعروف في مدينة رفح جنوبي القطاع، الذي تبرأت منه عائلته وعشيرته في بيان رسمي وعلني، وذلك بسبب تورطه في جرائم وملفات جنائية، منذ ما قبل الحرب، حيث كان معتقلاً أصلاً وتم إخلاء سبيله على سبيل الاضطرار في الأيام الأولى للحرب، بعد أن قصفت قوات الاحتلال، المقرات والمراكز الأمنية التابعة لحكومة غزة كافة.
المصادر الإعلامية في غزة تقول، إن ميليشيا أبو شباب كانت تضم أكثر من مئة مسلح، وكانت تتمركز بالقرب من معبر «كرم أبوسالم»، حيث ممر المساعدات ومركز دخولها إلى القطاع، وكانت تسطو على ما يدخل من بضائع ومساعدات ومواد تموينية، فيما تقول حركة حماس، إن كل ما كانت تقوم به هذه الميليشيا كان يتم بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي ولمصلحته ويندرج في إطار «حرب التجويع»، التي تمارسها إسرائيل كعقاب جماعي ضد المدنيين من سكان القطاع من أجل تنفيذ مخطط التهجير، بما في ذلك دفعُ سكان الشمال إلى النزوح جنوباً بالقرب من الحدود مع مصر.
ثمة دلالات بالغة الأهمية لهذا الخبر بالغ الأهمية، الذي لم يحظ بكثير من التركيز في وسائل الإعلام، ربما بسبب كثافة وزخم الحرب، حيث إن الكشف عن هذه الميليشيا والقضاء عليها، والكشف عن تعداد عناصرها، كل هذا يدل على أن الاحتلال بعد نحو عامين على هذه الحرب بكل تفاصيلها، لم ينجح في خلق قوات موالية له على غرار «جيش لبنان الجنوبي»، الذي كان يقوده العميل أنطوان لحد في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك على الرغم من الضغط الكبير الذي يتعرض له القطاع، بما في ذلك تجويع السكان المدنيين، ومحاولة تسييس المساعدات التي تدخل إلى غزة. فبعد أكثر من 600 يوم على هذه الحرب المجنونة، لم يتمكن الإسرائيليون من خلق تشكيل مسلح مناهض لحركة حماس داخل قطاع غزة، سوى هذه الميليشيا المكونة من 100 شخص من أصحاب الأسبقيات والجرائم والجنايات ممن تبرأت منهم عائلاتهم.
أما الدلالة الثانية والأهم فهي، أن مقاتلي حماس بعد 20 شهراً على القتال والحرب والقصف اليومي الدموي، ما زالوا قادرين على ملاحقة المجموعات الخارجة عن القانون، سواء من المتواطئين مع الاحتلال، أو اللصوص المتورطين بسرقة المساعدات والمواد التموينية التي تدخل من معبر «كرم أبو سالم»، وهذا يعني أن إسرائيل ما زالت بعيدة عن هدفها المتمثل في القضاء التام على الحكم القائم في غزة.
الدلالة الثالثة لما جرى هو، أن إسرائيل ما زالت تفتقد لسيناريو اليوم التالي، وما زالت تفتقد لوجود حلفاء أو عملاء لها في غزة، ففي حال صحت إدعاءات حماس بأن ميليشيا ياسر أبو شباب هي «وحدة مستعربين»، أو «قوة تعمل لصالح الاحتلال»، فهذا معناه أن محاولات تشكيل قوة موالية لإسرائيل في غزة ما زالت فاشلة، وإسرائيل لا تزال بعيدة كل البعد عن النجاح في هذا المجال، وهو ما يعني أنها تستطيع شن حرب على القطاع، لكنها لن تنجح في التحكم فيه ولا في مستقبله ومصير سكانه.
لقد أصبح واضحاً اليوم أن إسرائيل لديها جملة خيارات تتعلق بغزة، لكن هذه الخيارات فشلت جميعاً (حتى الآن على الأقل)، فلا خطة التهجير نجحت، ولا خطة تفريغ الشمال من سكانه نجحت، ولا مشروع تأسيس ميليشيا موالية على غرار «جيش لحد» نجحت، ولا «مؤسسة غزة الإنسانية» نجحت حتى الآن في تسييس المساعدات، واستخدامها كسلاح إسرائيلي.. كل هذه السيناريوهات فشلت، وربما هذا الذي يجعل نتنياهو يتخبط ويستمر في الهروب إلى الأمام عبر الاستمرار في الحرب.
كاتب فلسطيني
عن صحيفة القدس العربي اللندنية