أقلام مختارة

ما تيسر من سيرة أبناء “البنا” (2)

سمير عمر

كنا أنا وزميلى المصور وعدد من الزملاء الصحفيين وبعض السياسيين، أعلى بناية من أربعة طوابق نتابع الحشود الإخوانية المحيطة بمقر مكتب إرشاد الإخوان بالمقطم، كانوا مئات من الشباب الأشداء، وقد ضربوا بأجسادهم أطواقاً أمنية دائرية حول المبنى الذى كان قادة التنظيم يجتمعون بداخله، كانت هتافاتهم لكسب ود رجال الأمن، أو على الأقل لتحييدهم: يا داخلية إحنا معاكى ورب العزة بيتولاكى، ثم أعقبوها بشعار التنظيم الذى ينتهى بهتاف:

الجهاد سبيلنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا.

يتساءل أحد سكان البناية الذى سمح لنا بصعودها: هما حقيقى بيعتبروا اللى بيعملوه ده جهاد فى سبيل الله؟! كان يسأل دون انتظار إجابة، إذ أعقب سؤاله بتنهيدة، ثم أضاف: ربنا يستر لو الشباب المتظاهرين عرفوا يوصلوا لحد هنا هتبقى مجزرة.

لم يمضِ سوى بضع دقائق حتى فوجئنا بعدد من رجال الشرطة، وقد وصلوا إلى موقعنا وطالبونا بمغادرة المكان.

حاول سكان البناية إثناءهم عن طلب مغادرتنا، بحكم أننا فى منزل خاص، لكن دون جدوى.

إذ كرّر الضابط الشاب طلبه بحسم هذه المرة: لو سمحتم اتفضلوا من هنا فوراً، فبقاؤكم مرفوض، وربما يتسبّب وجودكم هنا فى أزمة.

أدركت فحوى طلب الضابط الشاب، فسألته: هل تقصد أن شباب الإخوان من الممكن أن يهاجمونا؟!

فيرد: ربما، واحنا عايزين نحميكم.

فأعاود السؤال: وماذا عن الشباب المتظاهرين الرافضين للإخوان الداعين للتظاهر ضدهم أمام مقر مكتب إرشادهم؟

فيرد الضابط الشاب: مهمتنا هنا هى منع وقوع أى أحداث عنف فى هذا المربع، بينما تتولى مجموعات شرطية أخرى متابعة الموقف من مدخل المقطم.

نضطر إلى تنفيذ طلب المغادرة، ونهبط جميعاً سلم البناية، وعلى بابها كانت عيون شباب الإخوان تراقبنا، وحين تحرّكنا بالسيارات حذّرنا المارة من المرور فى الشارع الرئيسى، فهناك المئات من شباب الإخوان بجوار المسجد الكبير يهاجمون السيارات التى تقل صحفيين أو ناشطين سياسيين.

فنحاول الهروب من شوارع جانبية كانت مكتظة بسكان الحى الذين وجدوا أنفسهم فى عين عاصفة إخوانية لا يعرفون متى تهدأ.

قبل الواقعة

كان هذا فى يوم 22 مارس 2013 فى ما عُرف بجمعة رد الكرامة.

دعا ناشطون من القوى المدنية إلى التظاهر أمام مقر مكتب إرشاد الجماعة «المقر الفعلى لحكم مصر آنذاك»، احتجاجاً على اعتداءات شباب تنظيم الإخوان على الصحفيين والناشطين، أمام المقر ذاته قبلها بعدة أيام، وأثناء فعاليات رسم جرافيتى مناهض للإخوان.

كان أسبوعاً دامياً، بدأ بدعوات التظاهر أمام مكتب الإرشاد، أعقبه اعتداء شباب الإخوان على الصحفيين والناشطين، ووصل الأمر إلى احتجاز عدد منهم داخل المقر، وإصابة مصور قناة «روسيا اليوم»، والاعتداء على مراسلة قناة «سكاى نيوز عربية».

بدا «أبناء البنا» فى هذا المشهد وكأنهم فى ساحة حرب، يريدون تأكيد «انتصاراتهم» وسحق «أعدائهم»، فإما الولاء التام، والخضوع لإرادة مكتب الإرشاد وممثل الجماعة فى القصر الرئاسى، وإما مواجهات مفتوحة، وحروب شوارع درّبوا عليها جيداً على طريق التمكين.

بعد الواقعة

فى هذا المساء وأثناء محاولات الهروب من الشوارع الجانبية نصادف الأستاذ أمير سالم، المحامى والحقوقى البارز «رحمه الله».

يطلب منى ركوب السيارة معنا، لأنه يخشى على نفسه من شباب الإخوان، إذ كان أحدهم قد عرفه وسبه، لأنه ضد الإخوان.

يركب معنا السيارة ونواصل التحرك بحثاً عن مخرج آمن وسط حشود «أبناء البنا»، بينما يخفى الأستاذ أمير سالم وجهه، خوفاً من أن يلحق بنا الأذى جراء وجوده معنا.

كانت السيارة تتحرّك ببطء، وأنا أواصل متابعة ما يأتينا من أخبار المواجهات بين «أبناء البنا» وشباب القوى المدنية الداعين للتظاهر ومن انضم إليهم من المواطنين من سكان الحى والأحياء المجاورة.

كانت الأنباء تشير إلى سقوط عشرات الجرحى فى تلك المواجهات، أغلبهم من شباب القوى المدنية.

وفى وسط القاهرة، حيث مقهى ريش الشهير بشارع طلعت حرب يهبط الأستاذ أمير سالم، شاكراً لنا أن قمنا بإنقاذه وتوصيله إلى حيث أراد.

انتهى اليوم الطويل وبلغت حصيلة الجرحى نحو مئتين، فيما قتل فى تلك المواجهات تسعة أشخاص.

أحدثت تلك الواقعة موجة غضب واسعة فى صفوف المعارضة المصرية، وأدان نقيب المحامين آنذاك سامح عاشور الاعتداء على المعارضين، وتقدّم نقيب الصحفيين حينها -ضياء رشوان- ببلاغ للنائب العام، طالباً التحقيق فى وقائع الاعتداء على الصحفيين.

لكن وفى الوقت ذاته كانت هناك أحزاب ذات مرجعية دينية، وأخرى مدنية تدعم موقف تنظيم الإخوان أو على الأقل لا تعارضه.

واتسع نطاق الغضب الشعبى من سياسات مكتب الإرشاد وممثله فى رئاسة الجمهورية، بينما ازداد عنف «أبناء البنا» فى مواجهة معارضى الجماعة فى مختلف الساحات، ومن جانب آخر بدأوا فى زرع عناصرهم داخل التنظيمات والقوى السياسية لشق الصفوف وتهيئة الأجواء لاستكمال مخطط التمكين، ليس من مؤسسات الدولة فحسب، بل من الأحزاب والحركات السياسية أيضاً.

مخابرات الإخوان

لم تكن سياسة الإخوان فى زرع عناصرها وتشكيل خلايا نائمة داخل صفوف القوى والأحزاب السياسية وليدة تلك اللحظة الاستثنائية فى تاريخ مصر، إذ إن تاريخهم التنظيمى يزخر بوقائع مماثلة.

كما أن منهجهم الذى وضعه مؤسس الجماعة ووصاياه وتوجيهاته التى كانت بمثابة أوامر حرب لا تقبل النقاش تؤكد ذلك.

وها هو أحمد عادل كمال فى كتابه عن التنظيم السرى للإخوان الصادر تحت عنوان «النقاط فوق الحروف» يُحدّثنا فى صفحة 166 عن مخابرات الإخوان فيقول:

وكان يتبع النظام الخاص قسم للمخابرات، يبدو أنه أنشئ مُبكراً، فأدخل بعض إخوان النظام الأحزاب والهيئات الأخرى بمصر، حتى نكون يقظين لما يجرى على الصعيد السياسى فى مصر.

وكان من الأمثلة الناجحة فى هذا الشأن الأخ «أسعد السيد أحمد» الذى انضم لحزب مصر الفتاة، حتى وصل إلى الحرس الحديدى الذى أنشأه لحمايته زعيم الحزب أحمد حسين.

ذلك الحرس الذى كان مكوناً من ستة أفراد.

ويضيف أحمد عادل كمال فى كتابه الذى يُعد مرجعاً لتنظيم الإخوان:

وقد ظهرت فى قضية السيارة الجيب (قضية لتنظيم الإخوان المسلح الذى اكتشف سنة 1948) تقارير بعضها بخط «أسعد» عن متفجّرات حزب مصر الفتاة ومكانها، فضبطت، وكانت لها قضية اتهم فيها «سعد مهدى» و«محمد أبوالنجا» من الحزب.

وتقارير عن الشيخ عبدالرحمن الصوالحى من الحزب الوطنى، وأنه كان يحتفظ ببعض المتفجرات لدى الشيخ عبدالمنعم النمر -سيصبح وزيراً للأوقاف فى عهد الرئيس السادات- بمنزله فى شبرا، فكانت سبباً فى القبض عليهما.

وفى السجن سأل الشيخ النمر أسعد (جاسوس الإخوان) عن مبررات التقرير الذى كان سبباً فى القبض عليه؟ ولمن كان يكتبه؟ ولم يشأ أسعد (جاسوس الإخوان) أن يخبره عن مخابرات الإخوان، فأجابه بأنه كتبه لنفسه والتاريخ.

وها هو التاريخ يشهد على عنف أبناء البنا وخيانتهم للجميع.

كاتب صحفي واعلامي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى