ضربات دقيقة أم مجزرة إنسانية؟ واشنطن بوست تكشف قصة قصف إسرائيل لسجن إيفين في طهران.. مدنيون وأطفال بين القتلى
من سعيد جوهر
واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن إسرائيل شنت غارة جوية دقيقة على سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، مستهدفة أربعة مواقع منفصلة داخل المجمع الذي يعد رمزًا لقمع النظام الإيراني منذ أكثر من أربعة عقود. الهجوم، الذي وقع قبل ظهر يوم 23 يونيو، أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص، من بينهم موظفون في السجن ومدنيون، بينهم طفلان، وفقًا لما أظهرته مراجعة الصحيفة لصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو من مكان الحادث.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغارة استهدفت مباني تبعد عن بعضها مئات الأمتار، ما يدل على ضربات جوية متعددة ودقيقة. وبحسب تحليل أجرته ماكسار تكنولوجيز وخبراء في تحليل الصور الجغرافية، فإن الغارة استهدفت نقاطًا محددة، من بينها مبنى إداري ومركز طبي ومنطقة مخصصة للزيارات ووحدة للحبس الانفرادي يديرها جهاز الاستخبارات الإيراني.
وذكرت الصحيفة أن العديد من كبار موظفي السجن لقوا مصرعهم، منهم علي غناتكار، المدعي العام المسؤول عن ملفات المعتقلين السياسيين والمعارضين، كما قُتل أربعة مدنيين على الأقل لم يكونوا ضمن الطاقم العامل في السجن، بينهم طبيب، وأخصائية اجتماعية وابنها البالغ من العمر خمس سنوات، وسيدة تدعى مهرانجيز إيمانبور كانت تمر في الجوار وقت الغارة.
وفي شهادات جمعها مراسلو “واشنطن بوست”، تحدث شهود عيان وسجناء سابقون عن مشاهد فوضوية أقرب إلى يوم القيامة، حيث رأوا سيارات محترقة، وسجناء يحاولون الهرب وسط إطلاق نار، فيما وصف أحد الشهود محاولته عبثًا إنعاش طفلة كانت قد أُصيبت في الموقع دون أن يستجيب جسدها. كما أشار آخرون إلى أن بعض السجناء كانوا يتجولون في أروقة السجن معصوبي الأعين من دون أي إشراف أو وجود للحراس، مما عزز شعورهم بأن السيطرة على المجمع فُقدت مؤقتًا بعد الغارة.
وقالت الصحيفة إن مركز السجن الطبي تعرض لأضرار جسيمة، وشوهدت معداته مغطاة بشظايا الزجاج بعد تفجر النوافذ، بينما تضررت البوابة الشمالية الخاصة بالزوار بشكل كبير، وهي المنطقة التي عادة ما تشهد توافد العائلات لزيارة ذويهم المعتقلين. وخلال تلك اللحظة الحرجة، تواجد مدنيون في المكان، من بينهم الطفلان القتيلان، ما يعكس مأساوية التوقيت.
وتحدثت الصحيفة أيضًا عن الأثر الطويل المدى للهجوم، مشيرة إلى أن عشرات الأبنية في سجن إيفين لم تعد صالحة للاستخدام، مما اضطر السلطات الإيرانية إلى نقل نزلاء إلى سجون أخرى، مثل سجن طهران الكبير وقرجك، حيث يواجه المعتقلون ظروفًا إنسانية بالغة السوء، من اكتظاظ شديد إلى غياب الرعاية الأساسية والمياه النظيفة، خصوصًا بالنسبة للسجينات اللاتي قضين الليلة التالية للغارة داخل سجن إيفين دون ماء أو تدفئة أو حتى اتصال مع أسرهن، قبل نقلهن لاحقًا إلى منشأة قرجك السيئة السمعة.
واستعرضت “واشنطن بوست” تقييمات استخباراتية تشير إلى أن الغارة الإسرائيلية، التي سبقت وقف إطلاق النار مع إيران بيوم واحد، استهدفت ما اعتبرته إسرائيل بنية تحتية استخباراتية ضمن السجن، حيث صرح الجيش الإسرائيلي بأن مجمع إيفين كان يستخدم لأغراض تجسس وأعمال عدائية ضد الدولة العبرية، مضيفًا أن الضربات كانت “منفذة بأقصى درجات الدقة لتقليل الأضرار الجانبية”، دون أن يعلق رسميًا على الأهداف المحددة.
وفي ظل كل هذه المعطيات، خلصت الصحيفة إلى أن الغارة على سجن إيفين لا تمثل فقط فصلًا جديدًا في التصعيد بين تل أبيب وطهران، بل تطرح تساؤلات حادة حول مشروعية استهداف مواقع تضم معتقلين سياسيين ومدنيين، وتثير جدلًا دوليًا بشأن الكلفة الإنسانية لهجمات كهذه، خصوصًا حين تكون الضحايا من الفئات الأضعف داخل المجتمع.