أقلام يورابيا

ترامب وإيران: تشاؤم متجدد وخيارات على الطاولة

سيرينا مارغيلوفا

في تصريح لافت أعاد خلط أوراق المشهد الإقليمي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تشاؤمه حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، متذرعًا بما وصفه بـ”خداع طهران المتواصل”، واستعدادها لـ”توظيف أي انفراجة سياسية في تعزيز قدراتها العسكرية وتوسيع نفوذها الإقليمي”. ويأتي هذا التصريح بالتزامن مع تسلّم وزير الدفاع الأميركي خططًا عسكرية متعدّدة للتعامل مع التهديد الإيراني، ما أعاد إلى الأذهان سيناريوهات المواجهة المفتوحة في المنطقة.

أسباب التشاؤم.. حسابات تتجاوز النووي

من الناحية الرسمية، يبدو أن تشاؤم ترامب يرتكز إلى قناعة راسخة بأن إيران غير جادة في تقديم تنازلات جوهرية تتعلق بقدراتها النووية. لكن نظرة أكثر عمقًا تكشف أن التشاؤم هذا ليس وليد اللحظة، بل هو ثمرة تراكمات استراتيجية ترى في إيران تهديدًا مركبًا، يتجاوز حدود تخصيب اليورانيوم.

فعلى مدى العقدين الماضيين، ثبت في ذهنية المحافظين الأميركيين –ومن ضمنهم ترامب وفريقه– أن طهران تستخدم المفاوضات النووية كوسيلة لشراء الوقت، وإعادة هيكلة منظومتها الدفاعية، عن طريق محاولة استعادة حضورها المتأرجح حاليًا، عبر الوكلاء، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، الأمر الذي يُفسِّر سبب الترويج للتسريبات الأميركية الأخيرة حول حرص واشنطن على”سلامة” الرئيس السوري أحمد الشرع في هذه المرحلة الانتقالية.

وفي ضوء هذا التصور، فإن أي اتفاق لا يطال النفوذ الإقليمي الإيراني يُعدّ، وفق مدرسة ترامب، اتفاقًا منقوصًا، لا يعالج جوهر التهديد بل يُكرّسه.

الخطط العسكرية.. من الردع إلى المبادرة

وفقًا لتقارير متعددة، تسلّم البنتاغون حديثًا خططًا عملياتية متدرجة للتعامل مع السيناريوهات الإيرانية المختلفة. وتتراوح هذه الخطط بين استهداف مواقع نووية بعينها، وتنفيذ عمليات سيبرانية معقّدة، وصولًا إلى هجمات محدودة أو شاملة تستهدف البنية العسكرية الإيرانية.

مصادر قريبة من المؤسسة الدفاعية الأميركية تُشير إلى أن هذه الخطط ليست وليدة التهويل السياسي، بل تعبّر عن واقع استراتيجي يُدرك أن احتمالات انهيار المسار الدبلوماسي باتت مرتفعة، وأن خيار القوة –وإن بقي مكروهًا– لم يعد مستبعدًا. وقد تم تحديث هذه الخطط في ضوء معلومات استخبارية تؤكد تسارع الأنشطة النووية الإيرانية في منشآت محصنة، يصعب استهدافها بعد اكتمال حمايتها.

إسرائيل على الخط.. الضربة المنفردة كخيار استباقي

في المقابل، لا تُخفي إسرائيل نيتها التحرك بمفردها في حال لم تجد في واشنطن تجاوبًا سريعًا مع تعاظم التهديد النووي الإيراني. وقد ضاعفت تل أبيب في الأشهر الأخيرة من مناوراتها العسكرية الجوية، كما كثّفت تعاونها مع دول خليجية باتت تتقاطع معها في هواجسها من المشروع الإيراني.

وبينما تبقي القيادة الإسرائيلية على الضبابية المقصودة في شأن نواياها الحربية، فإن تسريبات متواترة من مصادر استخبارية غربية تتحدث عن سيناريوهات “ضربة مفاجئة” لمواقع نووية رئيسية داخل إيران، تُنفّذ بصمت لكن بدقة، على أن تُخلّف أثرًا جيوسياسيًا مزلزلًا، سواء وقعت بتنسيق مسبق مع واشنطن أو من دونه.

الحسابات الإقليمية والدولية.. هل يندلع الحريق؟

من شأن أي عمل عسكري مباشر، سواء أميركي أو إسرائيلي، أن يُشعل منطقة الشرق الأوسط بكاملها. فإيران لن تقف مكتوفة الأيدي، وهي تمتلك من أدوات الرد غير المتناظرة ما يكفي لتوسيع دائرة الصراع إلى الخليج والعراق وسوريا ولبنان، وربما ما هو أبعد من ذلك.

لكن بالمقابل، ثمة من يرى في حافة الهاوية هذه فرصة لإعادة ضبط التوازنات، انطلاقًا من مبدأ أن تراجع الردع الغربي قد يكون هو ما شجع إيران أصلًا على المضي في برنامجها النووي، رغم العقوبات والتحديات الداخلية.

على هذا الأساس، يمكن القول إن تشاؤم ترامب يعكس في المحصلة النهائية مأزقًا أوسع: لا الغرب قادر على ضبط إيران عبر أدوات الضغط التقليدية، ولا إيران مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية من دون ضمانات سياسية واقتصادية بعيدة المدى. وفي ظل هذه المعادلة المختلّة، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة: من التوصل إلى اتفاق مؤقت هشّ، إلى انزلاق غير محسوب نحو مواجهة عسكرية قد تُعيد رسم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط لسنوات طويلة.

مستشرقة روسية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى