يجدر قول الأمور ببساطتها: نحن نسير نحو كارثة أخرى في قطاع غزة. اذا لم يقرر الرئيس الأمريكي ترامب التدخل فيما يحدث هناك اثناء زيارته في دول الخليج في الأسبوع القادم فان إسرائيل ستوسع العملية العسكرية في القطاع بعد انتهاء الزيارة. بالصورة التي تم تخطيط العملية لها فمن المرجح الافتراض بأنها ستكون مقرونة باحتلال مناطق واسعة في القطاع، والاحتفاظ بمنطقة لفترة طويلة وفقدان حياة مخطوفين وجنود وتفاقم الكارثة الإنسانية في أوساط الفلسطينيين. في المقابل، مشكوك فيه اذا ما كان سيتم تحقيق هزيمة حقيقية لحماس.
الكابنت تم عقده أول أمس في جلسة طويلة، فيها تمت المصادقة على الخطة التي عرضها الجيش وهي توسيع واضح للعملية. بشكل استثنائي السياسيون متحمسون في هذه المرة الى إعطاء تفويض لرئيس الأركان ايال زمير. جهات سياسية (نقول من الآن، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو) وأمنية رفيعة (أي وزير الدفاع يسرائيل كاتس)، أوضحت بأن الخطة الجديدة ستحقق أخيرا هزيمة حماس وستستخدم عليها ضغط كبير لتحرير جميع المخطوفين.
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الرجل الذي ينجح في توجيه سياسة الحكومة، والذي رغم أنه حسب كل الاستطلاعات حزبه لا ينجح في تجاوز نسبة الحسم، قال صباح أمس في مؤتمر لصحيفة “بشيفع” بأنه “منذ اللحظة التي ستبدأ فيها العملية لا يوجد انسحاب من المناطق التي قمنا باحتلالها، حتى ليس مقابل مخطوفين. نحن نحتل غزة لنبقى. لا يوجد من الآن فصاعدا دخول وخروج”. وقد أوضح أيضا بأن جميع سكان القطاع سيتم اخلاءهم جنوبا نحو محور موراغ، والقصد هو دفع 2 مليون شخص الى منطقة مساحتها اقل من ربع مساحة القطاع.
عندما التقى نتنياهو وكاتس مع زمير لتعيينه كرئيس للاركان، قال لهما بأن الجيش الإسرائيلي بحاجة الى ثلاثة اشهر كي يعيد احتلال القطاع، وتسعة اشهر إضافية من اجل تمشيط المنطقة بنجاعة. نتنياهو يفضل اقتباس فقط الجزء الأول في الخطة. منذ عاد لارتداء الزي العسكري تعلم زمير عدة أمور أخرى، ربما استيقظ قليلا. التسريبات التقليدية من جلسة الكابنت تناولت أمس المواجهات بين رئيس الأركان والوزير ايتمار بن غفير والوزيرة اوريت ستروك. وقد نشر أن زمير لم يحب طلبهما زيادة المس بالمساعدات الإنسانية، التي قبل شهرين تم وقفها. زمير هاجمهما وقال “أنتما تعرضاننا جميعا للخطر”، وحتى أنه حذر من أن العودة الى عملية واسعة ستعرض حياة المخطوفين للخطر.
مهمة أيضا صورة علاقات القوة الموجودة وراء الكواليس. فلا شك أن أحزاب اليمين المتطرف تسعى الى إعادة احتلال القطاع وفرض حكم عسكري إسرائيلي واستئناف الاستيطان والترانسفير. نتنياهو يتماشى معا حتى من اجل الحفاظ على الائتلاف. وقد تجاوز ذلك فقط في صفقتي تحرير المخطوفين، في تشرين الثاني 2023 وفي كانون الثاني 2025 عندما تمت الصفقة الثانية بضغط كبير من ترامب. والحفاظ على القتال في جبهات كثيرة يساعد رئيس الحكومة على الاحتفاظ بالائتلاف على قيد الحياة. هذا اكثر أهمية بالنسبة له من حياة المخطوفين. الآن اضيف اعتبار آخر وهو أنه قبل نهاية الشهر ستبدأ مرحلة التحقيق المضاد في محاكمته، الامر الذي يثير عدم الرضا الكبير لديه. في هذه الاثناء يبدو أن ترامب لا يسمح لنتنياهو بالمبادرة الى هجوم ضد المنشآت النووية في ايران، وتبادل اللكمات مع الحوثيين في اليمن لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة. بقيت غزة، وبدرجة اقل الاحتكاك مع النظام السوري الجديد بذريعة حماية أبناء الطائفة الدرزية هناك.
موقف وزير الدفاع لا أهمية له. بخصوص رئيس الأركان والجنرالات فانه يتولد لديهم في الكابنت الانطباع بأنه يصلون لحدوث معجزة، لكن ليس من نوع المعجزات التي يرحب بها سموتريتش وستروك. معجزتهم يمكن أن تأتي من ترامب: تدخل خارجي يفرض على الطرفين صفقة تبادل، جزئية أو شاملة، ووقف حرب شاملة كثيرة الاضرار في القطاع، التي ليس لها تاريخ نهاية في المدى المنظور. ولكن هذا ليس الخط الذي يعلن عنه زمير، سواء بشكل علني أو في النقاشات المغلقة. رئيس الأركان الجديد هو شخص يحترم الهيكلية والانضباط. وحسب رأيه فانهم في الحكومة والكابنت سيقولون للجيش ما هو المتوقع منه، وأن دور الجيش هو طرح وفقا لذلك الخطط العملياتية ومعناها.
باستثناء المتعصبين في الصهيونية الدينية وقوة يهودية فان هناك شك كبير اذا ما كان أي أحد من الموجودين في الغرفة أمس يوهم نفسه حقا فيما يتعلق بالنتائج المتوقعة من العملية الجديدة “مركبات جدعون”، التي اعلن عن اسمها بشكل احتفالي. لو أننا وصلناهم بجهاز كشف الكذب لاكتشفنا كما يبدو بأن معظم الضباط، وحتى معظم وزراء الليكود في الكابنت، لا يقدرون أن الخطة ستنتهي بهزيمة حماس. فكرة دفع السكان التي يسوقها سموتريتش بانفعال هي تمهيد للترانسفير “الطوعي” (عمليا طرد عنيف وقسري). هذه هي الخطة التي تسلى بها ترامب قبل ثلاثة اشهر في اللقاء الأول له مع نتنياهو. ومنذ ذلك الحين الاثنان تقريبا لا يقومان بذكرها. يبدو أنه في هذه الاثناء هو لديه وجع رأس يقلقه، بدءا بحرب الجمارك مع الصين وحتى إعلانه أمس عن نيته فرض ضريبة تبلغ 100 في المئة على الأفلام التي ليست من انتاج امريكي، “لإنقاذ هوليوود التي تحتضر”، حسب تعبيره.
حتى الآن جرى تجنيد للاحتياط بحجم صغير. لا يوجد أي معنى للادعاءات التي نشرت أمس حول امتثال كامل، لأنه في هذه المرحلة تم استدعاء فقط وحدات قليلة، وفي معظمها تم استدعاء بصورة مستعجلة القادة فقط. الالوية التي يتم تجنيدها تهدف الى استبدال القوات النظامية على حدود لبنان وفي هضبة الجولان وفي الضفة الغربية من اجل توجيه هؤلاء الى القطاع. بقيت فترة زمنية اقل من أسبوعين الى حين انتهاء زيارة ترامب. واذا لم يتم التوصل الى صفقة وتم تطبيق الخطة التي تمت المصادقة عليها في الكابنت فستكون حاجة الى تجنيد واسع لعدة فرق في الاحتياط.
عمليا، حكومة نتنياهو ناقشت أوهام سيكون من الصعب جدا تحقيقها. خلال ذلك العملية العسكرية يمكن أن تؤدي الى موت المزيد من المخطوفين (ليس صدفة أن معظم العائلات تظهر درجة كبيرة من الخوف)، وتجبي حياة الكثير من الجنود. ولأن الجيش الإسرائيلي سيحاول تقليل الخسائر فانه يتوقع استخدام نيران كثيفة بشكل خاص، مع المس الكبير بالبنى التحتية المدنية التي بقيت في القطاع. ودفع السكان الى مناطق المعسكرات الإنسانية، الى جانب النقص المستمر في الغذاء والدواء، يمكن أن يجر المزيد من القتل الجماعي للمدنيين.
حتى لو كانت إسرائيل تنوي استئناف توفير المساعدات، فان الخطة مليئة بالثقوب. مشكوك فيه اذا كانت إسرائيل تعرف كيفية ضمان بقوتها الذاتية تدفق الغذاء بشكل منتظم لسكان كثيرين جدا، أيضا المنظمات الدولية أعلنت في السابق بأنها لن تشاركها في توزيع المساعدات (في المقابل، زمير يرفض وبحق أن يعرض من اجل ذلك حياة الجنود للخطر). أيضا هكذا فانه في الحكومة يتولد الانطباع بأن الجيش يجد صعوبة في توفير بيانات عن الوضع الإنساني الحقيقي في القطاع.
في نهاية المطاف إسرائيل ستضطر الى المصادقة على ادخال المساعدات الإنسانية. ولكن الى حينه سيمر وقت والقتال سيشتد. هناك احتمالية عالية بأنه توجد هنا وصفة للفشل، التورط بعيد المدى وفقدان ما تبقى من الشرعية الدولية لخطوات إسرائيل إزاء المس بالمدنيين. رغم صعود إدارة ترامب وإزاء معاداة المحاكم الدولية فان قادة وضباط إسرائيليين آخرين قد يواجهون إجراءات قانونية شخصية ضدهم. الحكومة تحاول الحصول على انجاز سياسي مؤقت، وثمنه سيتم دفعه بعملة استراتيجية.
هارتس