السلايدر الرئيسيتحقيقات
أخر الأخبار

أربعة عقود من السلام البارد.. “جيروزاليم بوست”: لا تطبيع شعبي وشكوك في “حقيقة” العلاقات بين مصر وإسرائيل

من سعيد سلامة

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ قالت صحيفة جيروزاليم بوست في مقال راي لكاتب مغربي إن معاهدة السلام التي وُقّعت بين مصر وإسرائيل قبل أكثر من 45 عامًا لم تنجح في خلق تطبيع حقيقي بين الشعبين، مؤكدة أن ما جرى في مارس/آذار 1979 كان اتفاقًا سياسيًا واستراتيجيًا أكثر من كونه مصالحة حقيقية. وأضافت الصحيفة أن هذا الاتفاق ظل على مدار العقود الأربعة الماضية “سلامًا باردًا يرتدي قناع الدبلوماسية”.

لحظة تاريخية… باردة المشاعر

وذكر الزميل في منتدى الشرق الأوسط والمحلل السياسي أمين أيوب أن المشهد الذي جمع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في حديقة البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، بدا للوهلة الأولى تاريخيًا، بل ونال الطرفان بسببه جائزة نوبل للسلام. ومع ذلك، فإن ما بدا لحظة فارقة في التاريخ الدبلوماسي، لم يلقَ ذات الترحيب في الشارع المصري.

وقال الكاتب إن ملايين المصريين رأوا في الاتفاق “طعنة في القلب”، وهتفوا ضده في مظاهرات غاضبة، رافضين أي شكل من أشكال العلاقة مع إسرائيل. وأضافت أن وسائل الإعلام العربية آنذاك وصفت السادات بالخيانة، فيما سارعت جامعة الدول العربية إلى تعليق عضوية مصر بعد خمسة أيام فقط من توقيع المعاهدة.

بين السطور.. سلام استراتيجي لا اجتماعي

وأوضح الكاتب أن اتفاق السلام كان هدفه الأساسي تبادل المصالح الاستراتيجية؛ فمصر أرادت استعادة سيناء والعودة للغرب، بينما سعت إسرائيل لتأمين حدودها الجنوبية. وقد تحقق للطرفين ما أرادا، لكن السلام بقي بلا روح.

وأضاف الكاتب أن السفارات فُتحت والسفراء تبادلوا المجاملات، لكن المجتمع المصري، وفقًا للتقرير، لم يطبع قط. فالإعلام المصري، والمؤسسات الدينية، والجامعات، والنقابات، وثقافة الشارع، جميعها واصلت التعبير عن عداء واضح لإسرائيل.

التطبيع تحت المجهر

وأشار الكاتب إلى أن ما يجمع بين القاهرة وتل أبيب اليوم ليس أكثر من تعاون استخباراتي وأمني في قضايا محددة، لا يخرج عن طابع “العلاقة التعاملية”، التي تُدار بمنتهى الحذر. فالاتفاقيات الاقتصادية، خصوصًا في مجالات الغاز والزراعة، تتم في الغالب بعيدًا عن الإعلام، والتنسيق العسكري في سيناء لا يُعلن عنه بشكل مباشر، والسياحة بين البلدين لا تزال محدودة للغاية، والتبادل الثقافي شبه معدوم.

وقال إن القانون المصري ما زال يسمح بسحب الجنسية عن المنخرطين في الحركة الصهيونية، وإن النقابات المهنية، بما في ذلك نقابتا الأطباء والمحامين، تحظر بشكل صريح التطبيع أو التعاون مع الإسرائيليين.

جيل وراء جيل… العداء مستمر

وذكر الكاتب أن العداء الشعبي لإسرائيل لم يتوقف، مستشهدة بشعارات رددها المتظاهرون في ميدان التحرير عام 2011 خلال ثورة الربيع العربي، منها: “جيلًا بعد جيل، سنبقى أعداءك يا إسرائيل”. وأشار إلى أن هذه الهتافات تكررت عام 2023 أثناء الحرب على غزة، ما يعكس استمرار العداء في الوجدان الشعبي، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على المعاهدة.

السيسي وحدود البراغماتية

وقال الكاتب إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يُنظر إليه في الأوساط الإسرائيلية كشريك براغماتي، أكد في كلمته أمام القمة العربية الأخيرة أن “السلام الحقيقي لن يتحقق” إلا بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة. واعتبر الكاتب هذا التصريح بمثابة تأكيد جديد على أن حدود التعاون بين البلدين لا تزال محكومة بعدم الرغبة في تطبيع كامل.

نموذج مُضلل؟

وحذّر الكاتب من مغبة اعتبار معاهدة مصر وإسرائيل “نموذجًا ناجحًا للسلام العربي الإسرائيلي”، مؤكدة أن مثل هذا التصور يعكس قراءة سطحية للواقع. وقالت إن كثيرًا من الساسة والمراقبين في الغرب لا يدركون أن هذا السلام لم ينجح في تغيير العقليات أو بناء جسور ثقة حقيقية بين الشعوب.

وقال الكاتب : “إذا لم يتجذر السلام في قلوب الناس، فسوف يذبل في أيدي السياسيين”. وأكدت أن إسرائيل كانت محقة في سعيها للسلام، وتأمين حدودها، والرهان على الدبلوماسية، لكن الأمل بأن تتحول مصر إلى “صديق” كان في غير محله.

نهاية الوهم؟

وأضاف الكاتب في  صحيفة جيروزاليم بوست أن الواقع المصري يفرض حدودًا واضحة لما يمكن أن يُسمى “تطبيعًا”. فالشعب المصري، حسب تعبيره، لا يزال غير مستعد لـ”احتضان العدو علنًا”. وأشارت إلى أن “المصافحة السياسية لم تترجم إلى مصالحة نفسية أو وجدانية”.

ورغم هذا، لم يفقد الكاتب الأمل تمامًا. فقد رأى أن هناك جيلًا شابًا جديدًا في العالم العربي، أكثر انفتاحًا على وسائل التواصل والسفر والتعليم، قد يكون أقل التزامًا بالكراهية القديمة. واستشهد باتفاقيات إبراهام كمثال على إمكانية تحقيق تطبيع حقيقي عندما يترافق مع ازدهار مشترك وشفافية سياسية.

وختم الكاتب مقاله بالقول إن السلام بين مصر وإسرائيل أوقف الحروب، لكنه لم يُنهِ الكراهية. وإن تطبيعًا لا ينبع من قناعة شعبية لن يكون سوى “قشرة دبلوماسية تغطي صراعًا كامنًا”، داعيا إلى مقاربة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، تُبنى على الاعتراف المتبادل، والمصارحة التاريخية، وتغيير السرديات الراسخة في المجتمعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى