“أبطال أم متهمون؟” اعتقال مصريين تصدّوا لهجوم على سفارة بلادهم في لندن يشعل أزمة دبلوماسية
من سعيد هنداوي
القاهرة ـ يورابيا ـ من سعيد هنداوي ـ في تطور لافت يعكس تعقيدات المشهد السياسي في الساحات الخارجية، ألقت الشرطة البريطانية القبض على أحمد ناصر، نائب رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج ولاعب الزمالك السابق، وذلك بعد تصديه لمحاولة اعتداء على مبنى السفارة المصرية في لندن، في واقعة شهدت تصعيدًا مفاجئًا ومواقف متباينة بين الجهات الأمنية البريطانية والمجتمع المصري في الخارج.
جاء توقيف ناصر بعد نحو ساعة فقط من توقيف أحمد عبد القادر ميدو، رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج، في توقيت بدا لافتًا، خصوصًا أن كليهما كان من بين أبرز من واجهوا محاولات اقتحام واعتداء على السفارة المصرية من قبل معارضين مقيمين في المملكة المتحدة. ووفق ما نشره ناصر عبر حسابه في “فيسبوك”، فإن ما جرى كان نتيجة لما وصفه بـ”موقف بطولي” تصدّى فيه لهجوم نفذه ما يقارب عشرة أشخاص، مضيفًا أن الشرطة البريطانية تدخلت لصالح “الخونة” الذين وصفهم بأنهم “فرّوا كالغنم”، بحسب تعبيره، قبل أن يتم استدعاء الشرطة والمخابرات واعتقاله.
وفي سياق متصل، تطارد الشرطة الهولندية يوسف حواس، أحد قيادات اتحاد شباب المصريين بالخارج، بعد مشاركته في الدفاع عن مبنى السفارة المصرية في هولندا خلال محاولة اعتداء مشابهة. وأكدت مصادر مطلعة أن حواس بخير ولم يتعرض للأذى، إلا أن هناك ملاحقات أمنية بحقه دون أن يتم توقيفه حتى اللحظة.
الهجمات على السفارات المصرية في الخارج، والتي كان أبرزها في هولندا، ألقت بظلالها على الدبلوماسية المصرية، ودفعت وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى إصدار موقف صارم، حيث تم تداول مقطع فيديو مسرّب قبل نحو أسبوعين يظهره في حديث مباشر مع سفير مصر في هولندا عماد حنا، يناقش فيه إغلاق السفارة ووضع قفل على بابها كخطوة احترازية.
وفي أعقاب اعتقال المواطنين المصريين في لندن، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا رسميًا أعلنت فيه أن الوزير بدر عبد العاطي أجرى اتصالًا هاتفيًا مع جوناثان باول، مستشار الأمن القومي البريطاني، أعرب خلاله عن قلق القاهرة البالغ إزاء توقيف المواطن أحمد عبد القادر، وطالب بسرعة توضيح أسباب القبض عليه والاطلاع على نتائج التحقيقات الجارية، مع التشديد على ضرورة الإفراج عنه في أسرع وقت ممكن.
وأكد البيان أن وزير الخارجية كلف السفارة المصرية في لندن بمتابعة القضية عن كثب، والتواصل المباشر مع الجهات البريطانية المختصة لتقديم الدعم القنصلي للموقوفين والعمل على تأمين حقوقهم القانونية والإنسانية الكاملة.
ولم يتوقف الاتصال المصري البريطاني عند هذا الحد، بل تطرق إلى القضايا الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها الوضع الكارثي في قطاع غزة. حيث أدان عبد العاطي، خلال المكالمة، استمرار الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، لا سيما استهداف الطواقم الصحفية والطبية، والاقتحام الأخير لمدينة رام الله، مؤكداً أن مصر ترفض بشكل قاطع استمرار هذه الانتهاكات. كما اتهم إسرائيل بعرقلة دخول المساعدات الطبية والإنسانية إلى القطاع، ما تسبب، بحسب قوله، في “تدهور إنساني وصل إلى حد المجاعة”.
وفي لهجة دبلوماسية واضحة، دعا الوزير المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والتحرك الجاد لإيقاف العدوان الإسرائيلي، محذرًا من أن استمرار الحرب سيقود المنطقة بأكملها إلى دوامة عنف لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
ورحب عبد العاطي بالموقف المعلن من عدد من الدول الغربية، وعلى رأسها المملكة المتحدة، بشأن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، معتبراً أن هذا التوجه يشكّل خطوة أساسية على طريق إرساء السلام وتحقيق الاستقرار الدائم في الشرق الأوسط، إذا ما تم على أساس حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
تأتي هذه التحركات والتصريحات في ظل حالة من التوتر المتصاعد بين أطراف الجاليات المصرية في الخارج، والانقسامات السياسية بين مناهضي النظام الحاكم والمدافعين عنه. وبينما يتصدى بعض الشباب لمحاولات الاعتداء على البعثات الدبلوماسية المصرية، يبدو أن التحدي المقبل أمام الدولة المصرية سيكون حماية ممثلياتها في الخارج دون تفاقم الأزمات مع حكومات الدول المستضيفة، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية والإنسانية المرتبطة بالوضع الإقليمي عامة، والصراع في غزة خاصة.