السلايدر الرئيسيصحف

نيويورك تايمز: خطة إسرائيلية لإجبار مئات آلاف الغزيين على النزوح جنوبًا تهدد مفاوضات الهدنة وتُثير تحذيرات من “تطهير عرقي”

من سعيد جوهر

واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير موسع نُشر يوم الاثنين، إن اقتراحًا إسرائيليًا بإقامة منطقة نزوح جماعي في جنوب قطاع غزة يهدد بنسف الجهود الجارية للتوصل إلى هدنة جديدة بين إسرائيل وحركة حماس، ويُعد بمثابة انتكاسة كبيرة للمفاوضات التي شهدت في الآونة الأخيرة بعض التحركات الإيجابية.

وأوضحت الصحيفة أن الخطة الإسرائيلية، التي لم يتم الإعلان عنها رسميًا، تقوم على نقل مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين قسرًا من مناطق شمال القطاع إلى منطقة قريبة من الحدود مع مصر، تقع تحت السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي. ويُعتقد أن الهدف هو منع عودتهم إلى منازلهم في الشمال، وهو ما وصفه خبراء قانون دولي بأنه يُشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، وقد يرقى إلى تطهير عرقي.

وأضافت نيويورك تايمز أن الخطوط العريضة للخطة جرى تسريبها خلال لقاء صحفي مغلق عقده وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مع عدد من الصحفيين الإسرائيليين المتخصصين في الشؤون العسكرية. وقد تداول هؤلاء الصحفيون لاحقًا تفاصيل الخطة في مقالات أثارت اهتمامًا واسعًا، سواء في الداخل الإسرائيلي أو في أوساط الفلسطينيين.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوزير كاتس وصف المخيم المزمع إنشاؤه بأنه “مدينة إنسانية”، وقال إنه سيُخصص في البداية لاستيعاب ما لا يقل عن 600 ألف فلسطيني، على أن يشمل لاحقًا جميع سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، وفق ما ورد في تقارير الصحفيين الحاضرين للقاء. وأوضحت الصحيفة أن فكرة المخيم أثارت مقارنات داخل إسرائيل بـ”معسكرات الاعتقال العصرية”، نظرًا لكونه سيكون محاصرًا ومغلقًا من الشمال، مع منع سكانه من العودة إلى مناطقهم الأصلية.

وفي الوقت الذي امتنعت فيه كل من وزارة الدفاع الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن التعليق على التسريبات، قالت الصحيفة إن الخطة وُصفت من قبل حركة حماس بأنها عائق جديد متعمد أمام التوصل إلى اتفاق تهدئة.

ونقلت نيويورك تايمز عن القيادي البارز في حماس، حسام بدران، قوله في رسالة نصية: “هذا المخيم سيكون بمثابة غيتو مغلق ومعزول، وهو أمر مرفوض تمامًا، ولن يوافق عليه أي فلسطيني. إنه مطلب تعويقي واضح يهدف إلى إفشال المفاوضات”.

وقالت الصحيفة إن الاقتراح الإسرائيلي جاء في وقت كانت فيه الآمال قد ارتفعت نسبيًا بشأن هدنة وشيكة، خصوصًا بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث توقع مراقبون أن يتم خلالها إحداث اختراق في المفاوضات، إلا أن الزيارة انتهت دون نتائج ملموسة، مع استمرار حالة الجمود السياسي.

وأشارت الصحيفة إلى أن المفاوضات المتعثرة بين الجانبين تصطدم بعدد من القضايا الأساسية، أبرزها إصرار إسرائيل على استئناف الحرب بعد أي هدنة مؤقتة، مقابل مطالبة حماس بضمانات لتحويل الهدنة إلى وقف دائم للأعمال العدائية، إلى جانب اشتراطات إسرائيلية تتعلق بنزع سلاح الحركة، وهو ما ترفضه الأخيرة رفضًا قاطعًا.

وتابعت نيويورك تايمز بأن الخطة الإسرائيلية لا تتوافق مع المطالب الفلسطينية بانسحاب القوات الإسرائيلية من معظم مناطق غزة، إذ تسعى إسرائيل وفق هذا الاقتراح إلى الإبقاء على وجود عسكري دائم في مناطق الجنوب، ما يُضعف احتمالات التوصل إلى حل سياسي أو إنساني دائم.

وفي تطور لافت، نقلت الصحيفة عن مجموعة من أبرز خبراء القانون الدولي في إسرائيل قولهم إن هذه الخطة – في حال تنفيذها – “ستُشكّل سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وقد ترقى في ظروف معينة إلى جريمة الإبادة الجماعية”، بحسب رسالة مفتوحة وجهوها إلى كل من الوزير كاتس ورئيس أركان الجيش الفريق إيال زامير.

وأشارت الرسالة إلى أن النقل القسري للسكان المدنيين يُعد جريمة بموجب اتفاقيات جنيف، وخاصة إذا تضمن منع العودة إلى أماكن السكن الأصلية، معتبرة أن تنفيذ هذه الخطة سيضع المسؤولين الإسرائيليين تحت طائلة المساءلة الدولية.

وأوردت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي بدوره رفض التعليق على ما إذا كانت هناك أوامر مباشرة بتنفيذ الخطة، مما يضيف غموضًا إضافيًا إلى النوايا الحقيقية للحكومة الإسرائيلية في ظل استمرار القتال والمعاناة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.

اقتراح إسرائيل بإقامة “مخيم إنساني” في جنوب غزة قد يتحول إلى أزمة قانونية وأخلاقية كبرى، ويتسبب في تعميق الانقسام، وتفجير مفاوضات التهدئة. وبينما ترى إسرائيل أنها تخطط لمخرج إنساني “مؤقت”، يحذر القانونيون والفلسطينيون من أن ذلك قد يؤسس لواقع دائم من التهجير والتطهير العرقي، في وقت بات فيه مستقبل القطاع على المحك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى