لم ينجح الجيش الإسرائيلي طوال عامين من الحرب العنيفة على قطاع غزة في استعادة أي من أسراه بالقوة، وانتهى به المطاف باستعادتهم في صفقة تبادل كان من الممكن أن تتم في اليوم التالي لاختطافهم، وكان من الممكن أن توفر على الطرفين حرباً استمرت أكثر من 730 يوماً وكبدت الطرفين خسائر فادحة.
إذا افترضنا بأنَّ الحرب على غزة انتهت بالفعل، وإذا افترضنا بأن إسرائيل لن تعود لاستئناف الحرب مجدداً، فهذا يعني أن نتنياهو فشل تماماً في تحقيق أي من الأهداف التي أعلن عنها في اليوم الأول للحرب، وهي: استعادة الأسرى بالقوة، والقضاء على حركة حماس. كما فشلت إسرائيل أيضاً في المشروع الأخطر وهو “التهجير”، وذلك بفضل الصمود الأسطوري لسكان القطاع، وقد تجلى هذا الفشل في مشهد مئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يعودون سيراً على الأقدام إلى غزة والشمال متمسكين بأراضيهم وما تبقى عليها من أنقاض المنازل.
هذه الحرب هي الأطول والأعنف على الإطلاق في تاريخ إسرائيل، لكنها تنتهي إلى جملة من الدلالات والمضامين والنتائج المهمة جداً، وفي ما يلي أبرزها:
أولاً: سجَّل الفلسطينيون صموداً أسطورياً غير مسبوق، وهو الذي أحبط في نهاية المطاف الأهداف الإسرائيلية ومنع تحقيقها، كما أن حركة حماس واصلت القتال على الرغم من اغتيال قادتها كافة، وهو ما أظهر تنظيماً متماسكاً لم يسبق أن عرف له العالم مثيلاً، وهذا يعني بالضرورة، أن أي قرار إسرائيلي لاحق بالحرب أو شن ضربات عسكرية، لن يكون أمراً سهلاً، أي أن الحسابات الإسرائيلية ستكون قد تغيرت اعتباراً من لحظة انتهاء هذه الحرب.
ثانياً: اعترف العالمُ ضمنياً بوجود حركة حماس، واضطر للتعامل معها، وتجلى هذا بوضوح في الإعلان عن “لجنة التنسيق” التي ستضم الوسطاء (مصر وقطر وتركيا) إضافة إلى كل من الولايات المتحدة وحركة حماس، كما تجلى أيضاً في الحديث الذي أدلى به الرئيس ترامب من على متن طائرته، عندما سألته مراسلة صحافية عن الاشتباكات بين قوات حماس، ومجموعات مسلحة في غزة، حيث قال: “نحن طلبنا من حماس فرض الأمن في غزة”، وهو ما يعني الاعتراف بوجودها وسلطتها في القطاع.
ثالثاً: تبين من هذه الحرب أن العربَ ليسوا عاجزين، كما يُراد لهم أن يفهموا، وأن يتصوروا ويقتنعوا، فقد استطاع الفلسطينيون القتال والصمود لمدة عامين أمام إسرائيل التي هزمت سابقاً ثلاث دولٍ عربية مجتمعة في ستة أيام، أما الدول العربية (قطر ومصر) فاستطاعت أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في الوساطة، من أجل إنهاء الحرب ورفض التهجير وعدم تمرير المشروع الإسرائيلي، وهو دور سياسي بالغ الأهمية.
رابعاً: رغم أن إسرائيل اشترطت عدم وجود أية مراسم احتفالية، أو استعراضية لتسليم أسراها، كما حدث سابقاً، إلا أن المشهد على تواضعه، يؤكد أن الحرب على غزة فشلت فشلاً ذريعاً، فلا استطاع نتنياهو استعادة ولو إسرائيلي واحد بالقوة، أو من دون ثمن، ولا استطاع القضاء على حركة حماس التي نشرت عناصرها في شوارع القطاع في اليوم الأول لوقف إطلاق النار، ولا استطاع أن يدفع الفلسطينيين نحو الهجرة إلى الخارج، بل ها هم مكدسون على أنقاض منازلهم متمسكون بأرضهم وينتظرون إعادة إعمار ما دمره الاحتلال.
والخلاصة هي أن هذه الحرب الكبرى التي استمرت عامين كاملين، غيرت المشهد الفلسطيني بشكل كامل، وسوف تغير المزيد من تفاصيله في الأيام المقبلة، كما أن الوضع في قطاع غزة قد تغير إلى الأبد، خاصة في مجال القتال مع الاحتلال، فلا إسرائيل سيكون سهلاً عليها مستقبلاً اتخاذ قرار بالحرب، ولا الفلسطينيون في غزة سيفعلون ذلك، كما أن التعامل الدولي مع حركة حماس سوف يتغير تدريجياً، أو ربما يتغير سريعاً، خاصة إذا وافقت على “خطة ترامب” وما بعدها من مسار سياسي.
كاتب فلسطيني
عن صحيفة القدس العربي