رئيس جهاز الاستخبارات السوري الجديد يعزز التعاون الإقليمي في ظل المرحلة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع
من سعيد حوا
باريس ـ يورابيا ـ من سعيد حوا ـ في تقرير مطوّل نشره موقع انتجلنس اون لاين الفرنسي المتخصص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية، سلّط الضوء على الدور المتصاعد الذي يقوم به اللواء حسين السلامة، رئيس جهاز الاستخبارات العامة السورية (GIS)، في إعادة بناء شبكة العلاقات الأمنية الإقليمية لسوريا، وذلك في إطار التوجهات الجديدة للإدارة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
ويؤكد التقرير أن هذه التحركات تمثل أحد أبرز مظاهر التحول السياسي والأمني في دمشق، حيث تسعى القيادة الجديدة إلى إعادة تموضع سوريا كفاعل إقليمي منفتح بعد سنوات من العزلة، مع الحفاظ على استقلال القرار الأمني الوطني.
مرحلة انتقالية بخطوط أمنية جديدة
وفقًا للمصادر التي نقل عنها الموقع، فإن اللواء حسين السلامة يقود حملة اتصالات مكثفة مع أجهزة الاستخبارات العربية، بتكليف مباشر من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي جعل من “الانفتاح الأمني المنضبط” أحد ركائز السياسة الجديدة للدولة.
ويشير التقرير إلى أن الشرع يسعى من خلال هذا النهج إلى تحويل الجهاز الاستخباراتي السوري من أداة صراع داخلي إلى ذراع دبلوماسي وأمني فاعل إقليميًا، في إطار عملية إعادة هيكلة أوسع تشمل مؤسسات الدولة كافة.
وتؤكد انتجلنس اون لاين أن السلامة، الذي يحتفظ بعلاقات مؤسسية قوية مع نظرائه العرب، يمثل “رأس الجسر” بين الإدارة الانتقالية السورية والمحيط العربي، ويقود جهودًا لإعادة بناء الثقة بعد أكثر من عقد من التوتر والقطيعة.
تحالفات أمنية عربية ناشئة
التقرير يكشف أن اللواء السلامة عقد خلال الأشهر الماضية لقاءات غير معلنة مع مسؤولين أمنيين من مصر، العراق، والأردن، تناولت ملفات مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود، ومواجهة شبكات التهريب التي تنشط في المناطق الحدودية.
كما تم بحث تنظيم النفوذ داخل سوريا بما يتوافق مع مبدأ “السيادة الأمنية المتوازنة” الذي تتبناه القيادة الانتقالية الجديدة، في إشارة إلى رغبة دمشق في تقليص اعتمادها على أي محور خارجي.
ويضيف التقرير أن القاهرة وعمان أبدتا انفتاحًا مشروطًا على استئناف التعاون الأمني مع دمشق، شرط أن تبقى الخطوات الجديدة في إطار إقليمي عربي واضح، لا يخضع للنفوذ التركي أو الروسي المطلق.
قنوات مراقبة مع أنقرة ومخاوف تل أبيب
بحسب الموقع، فإن تركيا تبقي على قنوات استخباراتية محدودة ومراقَبة مع دمشق بإشراف روسي، تتركز على الملفات الميدانية في الشمال السوري، لا سيما في منبج وتل رفعت.
ويرى التقرير أن أنقرة تتابع بترقب تطور المشهد السوري بعد تولي أحمد الشرع الرئاسة الانتقالية، خصوصًا في ظل مؤشرات أولية على توجه دمشق نحو تسويات محلية تهدف إلى استقرار الوضع الميداني تمهيدًا لإعادة الإعمار.
أما إسرائيل، فينظر التقرير إلى موقفها بأنه قلق ومتحفّظ. فعودة التواصل بين أجهزة دمشق وبغداد والقاهرة تُفسَّر في تل أبيب كإشارة إلى “عودة سوريا إلى النظام العربي”، وهو ما قد يحدّ من هامش المناورة الإسرائيلي في الجنوب.
الأمن السوري كأداة دبلوماسية
تؤكد انتجلنس اون لاين أن اللواء السلامة يعمل وفق استراتيجية جديدة تقوم على تحويل الاستخبارات السورية إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية، شبيهة بما فعلته القاهرة خلال مرحلة ما بعد 2014، أي استخدام الملفات الأمنية كقنوات تمهيدية للتطبيع الدبلوماسي.
وتشير مصادر دبلوماسية عربية إلى أن دمشق تراهن على أن “الملف الأمني هو الأقل حساسية والأكثر قابلية للتفاهم” مع دول الإقليم، في وقت ما زالت فيه الملفات السياسية والحقوقية معلّقة.
ويضيف التقرير أن هذا التوجه يحظى بدعم واضح من الرئيس أحمد الشرع، الذي يسعى إلى إعادة بناء صورة الدولة السورية كفاعل مسؤول قادر على التعاون الإقليمي، دون أن يتنازل عن ثوابته في ما يتعلق بالسيادة ووحدة الأراضي.
إعادة التموضع في البيئة الدولية
يربط التقرير بين التحركات الأمنية الجديدة والمناخ الدولي المتغير في الشرق الأوسط. فمع تراجع حدة الصراع الأمريكي – الروسي في الساحة السورية، وعودة بعض الدول الغربية إلى تبنّي سياسة “الخطوات الصغيرة” تجاه دمشق، ترى الإدارة الانتقالية أن اللحظة مؤاتية لإعادة دمج سوريا تدريجيًا في النظام الإقليمي عبر قنوات أمنية واقتصادية.
كما تتابع الدول الخليجية هذه التحركات عن قرب، خاصة السعودية والإمارات، اللتان ترغبان في استقرار الوضع السوري ومنع تمدد الميليشيات العابرة للحدود. ويشير التقرير إلى أن هناك اتصالات مبدئية بين الرياض ودمشق لبحث التعاون في ملفات الأمن الحدودي ومكافحة المخدرات، وهي قضية باتت أولوية مشتركة للطرفين.
من هو اللواء حسين السلامة؟
اللواء حسين السلامة الذي يبلغ من العمر 30 عاما والعضو السابق في تنظيم القاعدة والمعروف بالولاء الشديد لاحمد الشرع يُعتبر من الجيل الجديد في المؤسسة الأمنية السورية. العامة. عُرف عنه الانضباط والقدرة على التفاوض وشارك في مؤتمر ميونخ للامن في العلا بالسعودية مؤخرا واشاد به ممثلين لفرنسا والولايات المتحدة ودول الخليج خلال المؤتمر، كما يتمتع بثقة القيادة الانتقالية الجديدة نظراً لدوره في إعادة هيكلة الجهاز وتوجيهه نحو عمل مؤسساتي أكثر انفتاحًا.
وتشير انتجلنس اون لاين إلى أن السلامة “يُعدّ النموذج الأمثل لضابط الدولة ما بعد الحرب”، أي المسؤول الذي يجمع بين الخبرة الميدانية والحس الدبلوماسي، في مرحلة تتطلب من سوريا بناء توازن دقيق بين الأمن والسياسة.
يختتم الموقع الفرنسي تقريره بالقول إن “التحرك الأمني السوري الجديد بقيادة اللواء حسين السلامة، وبدعم مباشر من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في فلسفة الدولة السورية بعد عقد من الانعزال”.
ويضيف:“لم تعد دمشق تنظر إلى الاستخبارات كأداة قمع داخلي، بل كقناة للعودة إلى الخريطة العربية والدولية. غير أن نجاح هذا النهج يبقى مرهونًا بقدرتها على إقناع جيرانها بأنها تغيّرت حقًا، وأن مرحلة سوريا المنعزلة قد انتهت.”