بين نتنياهو والشاه بهلوي.. لعبة تغيير الأنظمة تعود إلى إيران ولكنها خاسرة
من سعيد سلامة
لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ قالت مجلة ريسپونسبل ستيتكرافت إن الشرق الأوسط نادرًا ما يعيد إنتاج تاريخه بنفس التفاصيل، لكنه كثيرًا ما يتردد صداه بطرق مأساوية وعبثية. وأضافت المجلة أن أوضح تجليات هذا التكرار المأساوي يتمثل في الحملة الإسرائيلية الراهنة ضد إيران، والتي تتجاوز أهدافها المعلنة بشأن تعطيل القدرات النووية والدفاعية الإيرانية، لتحمل في طياتها طموحًا أعمق وأكثر إثارة للجدل: السعي، ضمنيًا، لتغيير النظام وتنصيب حكومة حليفة يقودها رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، وربما حتى التمهيد لاستعادة الملكية.
وتابعت المجلة أن هذا التوجه لا يُعد سياسة رسمية معلنة لا في القدس ولا في واشنطن، إلا أنه حاضر في الخلفية السياسية والإعلامية لحملة التحريض والدعوات الموجهة للشعب الإيراني لـ”الوقوف” في وجه النظام. واستشهدت بزيارة رضا بهلوي في أبريل 2023 إلى إسرائيل، والتي نُظّمت بعناية رمزية، إذ صلى عند الحائط الغربي وتجنب المسجد الأقصى، وامتنع عن لقاء أي مسؤول فلسطيني، في رسالة واضحة بأن إسرائيل تراه الزعيم الرمزي للمعارضة الإيرانية.
وأشارت المجلة إلى أن شخصيات إسرائيلية بارزة مثل وزيرة الاستخبارات السابقة جيلا جامليل، دعت علنًا إلى إسقاط النظام الإيراني، معتبرة أن هناك “نافذة تاريخية” لإحداث هذا التغيير. وما كان يُنظر إليه في السابق كموقف دبلوماسي رمزي، بات الآن، في ظل الحملة العسكرية الجوية الإسرائيلية، رهانًا استراتيجيًا على إمكانية استخدام الضغط العسكري كمحفز لتغيير النظام من الداخل.
ورأت ريسپونسبل ستيتكرافت أن هذا النهج يعكس مفارقة تاريخية عميقة، إذ إن التدخل الأجنبي، الذي مهّد الطريق لعداء الإيرانيين للغرب، هو ذاته يُعاد اليوم بشكل أكثر جرأة. فقد أعادت المجلة التذكير بانقلاب عام 1953 الذي أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) والمخابرات البريطانية (MI6)، وأعاد الشاه إلى الحكم، مما ولّد مشاعر عميقة من السخط ضد الإمبريالية الغربية والاستبداد الداخلي.
وأضافت المجلة أن الثورة الإسلامية عام 1979 جاءت كرد فعل على ذلك الانقلاب، وهي في جوهرها تأكيد جذري على السيادة الوطنية في مواجهة التدخلات الخارجية. واليوم، تعيد إسرائيل والولايات المتحدة، وفقًا للمجلة، ارتكاب الخطأ ذاته: المراهنة على تدخل خارجي جديد لتحقيق نتيجة داخلية مصطنعة في إيران.
وأكدت المجلة أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة تجاوزت المنشآت النووية، لتستهدف مؤسسات الدولة ومراكز الإعلام، وحتى سجن إيفين المعروف باحتجاز المعارضين السياسيين، في إشارة رمزية واضحة على نوايا تتعدى الجانب العسكري إلى السياسي.
وذكّرت المجلة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن صراحة أن هدف الحملة هو “تحرير الإيرانيين”، في خطاب مُصوّر خاطب فيه الشعب الإيراني مباشرة. وحملت العملية اسم “الأسد الصاعد” في إشارة إلى شعار إيران الملكية ما قبل الثورة، بما يعكس بُعدًا رمزيًا واستراتيجيًا في آن واحد.
غير أن ريسپونسبل ستيتكرافت أوضحت أن الترويج لرضا بهلوي كبديل محتمل للجمهورية الإسلامية يفتقر إلى الواقعية السياسية داخل إيران. إذ لا يحظى بدعم شعبي ملموس، حتى بين أطياف المعارضة المتعددة. بل يُنظر إلى تحركاته، خاصة في الأوساط الثورية الشبابية، على أنها امتداد لصورة نظام الشاه القمعي، الذي ارتبط في الذاكرة الجماعية بأجهزة القمع (السافاك) والاعتماد على الدعم الأجنبي.
ونقلت المجلة أن شعارات الحراك الشعبي في 2022، مثل “الموت للظالم، سواء كان الشاه أو الزعيم”، تعكس رفضًا متجذرًا لأي شكل من أشكال الاستبداد، سواء الديني أو الملكي، وتُظهر أن المزاج العام في الداخل الإيراني يتجه نحو مطالب شعبية حقيقية، لا بدائل مصنوعة من الخارج.
وأضافت المجلة أن إسرائيل، في رهانها على تدخل عسكري يقود إلى تغيير النظام، تتجاهل دروس العقدين الماضيين من تاريخ الشرق الأوسط. فمن العراق إلى ليبيا إلى اليمن، أظهرت التجارب أن إسقاط الأنظمة بالقوة لا يُنتج دولًا ديمقراطية مستقرة، بل فراغات أمنية وحروبًا أهلية وتمددًا للفصائل المتطرفة.
وخلصت المجلة إلى أن دول الخليج العربي، التي استوعبت هذا الدرس، لجأت مؤخرًا إلى خيارات أكثر براغماتية، عبر فتح قنوات دبلوماسية مع طهران بدلاً من تأجيج الصراع. أما الرؤية الإسرائيلية القائمة على “الانتفاضة الخارجية الصنع”، فهي لا تفتقر فقط إلى الدعم الداخلي، بل تُعد وصفة خطرة قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والكوارث.
واختتمت ريسپونسبل ستيتكرافت بالقول إن مستقبل إيران لا يمكن فرضه من القدس أو واشنطن، بل يجب أن ينبثق من داخل إيران نفسها، وبشروط يحددها الشعب الإيراني، وفي توقيت يختاره هو.