باريس تدرس تجميد أصول مسؤولين جزائريين في فرنسا.. تصعيد مالي ودبلوماسي محتمل في ظل أزمة متفاقمة
من سعيد وهراني
“الجزائر ـ يورابيا ـ من سعيد وهراني ـ في خطوة تعكس تصاعد حدة التوتر بين باريس والجزائر، كشفت صحيفة “ليكسبريس الفرنسية، في تقرير حصري، أن الحكومة الفرنسية تدرس فرض عقوبات مالية تستهدف نحو عشرين مسؤولًا جزائريًا رفيع المستوى، في إجراء قد يشمل تجميد أرصدتهم المالية وممتلكاتهم العقارية داخل الأراضي الفرنسية، وذلك ردًا على ما تعتبره باريس “تعطيلًا متعمدًا للتعاون الثنائي” من الجانب الجزائري.
وبحسب مصادر حكومية فرنسية، فإن هذه العقوبات تأتي في إطار رد استباقي على أي تصعيد جزائري محتمل في الأزمة الثنائية المتصاعدة، والتي بلغت ذروتها منذ صيف عام 2024، عقب الموقف الفرنسي الداعم لخطة الحكم الذاتي المغربية في إقليم الصحراء، وما تلاها من توتر دبلوماسي ومشاحنات في ملفات الهجرة والأمن والتعاون القضائي.
عقوبات قيد الإعداد.. وزارات متعددة على الخط
تشير معلومات” ليكسبريس” إلى أن وزارتي الاقتصاد والداخلية في فرنسا تعكفان حاليًا على وضع اللمسات القانونية والتنفيذية لإجراءات العقوبات، التي من المتوقع أن تستهدف شخصيات جزائرية بارزة في مجالات السياسة والأمن والإدارة العامة، يُعتقد أنها تمتلك أصولًا مالية وعقارية معتبرة داخل فرنسا.
وقال مصدر مطّلع من الحكومة الفرنسية، في حديث للصحيفة، إن الخطوة “لا تزال قيد الدراسة الدقيقة”، لكنها تحظى بدعم سياسي من مستويات عليا، خاصة بعد أن أظهرت الجزائر “عدم استعداد واضح للتعاون” في ملف ترحيل المهاجرين غير النظاميين، ما تعتبره باريس استخفافًا بالتفاهمات الأمنية السابقة، ومساسًا مباشرًا بسيادتها.
ترحيل المهاجرين.. ملف شائك يفتح أبواب التصعيد
الخلاف حول إعادة قبول الجزائريين الصادرة بحقهم قرارات ترحيل من فرنسا يُعد أحد أبرز بؤر التوتر الحالي. فقد اتهمت السلطات الفرنسية، مرارًا، الحكومة الجزائرية بـ”رفض إصدار التصاريح القنصلية الضرورية لإتمام الترحيل”، وهو ما يعطّل الإجراءات القانونية ويُبقي مئات الحالات عالقة، في سياق سياسي داخلي فرنسي متشنج تجاه الهجرة.
وكان وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو قد ألمح، خلال تصريحاته الأخيرة، إلى أن بلاده تحتفظ بحق الرد الفردي على بعض المسؤولين الذين “يسعون لعرقلة العلاقات الثنائية”، مؤكدًا أن العقوبات قد تشمل “إجراءات مالية فردية ذات طابع رادع”، ما يُعد رسالة سياسية مباشرة للجزائر، دون الحاجة إلى التصعيد الجماعي الفوري.
اتفاقية 1968 تحت المجهر.. تهديد بتعليق الامتيازات
إلى جانب الإجراءات المالية، كشفت “ليكسبريس” أن باريس تدرس أيضًا تعليق العمل باتفاقية 1968 الخاصة بتنقل وإقامة وعمل الجزائريين في فرنسا، وهي اتفاقية تمنح امتيازات خاصة للجزائريين مقارنة بمواطني دول مغاربية أخرى.
وقد ظلت هذه الاتفاقية، منذ توقيعها، محورًا رئيسيًا في العلاقات الثنائية، ورمزًا لتاريخ استثنائي بين البلدين. إلا أن بعض الأصوات السياسية الفرنسية، خاصة في اليمين، تطالب منذ سنوات بمراجعتها، معتبرة أنها لم تعد تواكب المعايير الأوروبية الحديثة في إدارة الهجرة.
وتشمل المقترحات الفرنسية الإضافية كذلك فرض قيود على تأشيرات الدخول لبعض كبار المسؤولين الجزائريين، وتعليق بعض الرحلات الجوية التابعة للخطوط الجوية الجزائرية، في حال لم تشهد العلاقات اختراقًا دبلوماسيًا واضحًا.
خلفية الأزمة.. صيف مشتعل ومحاولات تهدئة متعثرة
بدأت الأزمة بين باريس والجزائر تأخذ منحى تصاعديًا منذ يوليو 2024، حين أعلنت فرنسا دعمها العلني لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في إقليم الصحراء، ما اعتبرته الجزائر انحيازًا فجًا لخصمها الإقليمي، وردت عليه بخفض التمثيل الدبلوماسي وسحب السفير مؤقتًا.
ورغم محاولات تهدئة نسبية قادتها اتصالات بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون، فإن القضايا العالقة – خصوصًا الهجرة، والتعاون الأمني، والمصالح الاقتصادية الثنائية – ظلت تشكل عقبات مستعصية أمام أي مصالحة فعلية.
قراءة في التوقيت والدلالات
يرى مراقبون أن التلويح بعقوبات فردية ومالية ضد مسؤولين جزائريين يُعد تصعيدًا غير مسبوق من الجانب الفرنسي، يعكس تحولًا في سياسة باريس نحو نهج أكثر حزمًا في ملفات الهجرة والدبلوماسية المغاربية، وربما رسالة داخلية للناخب الفرنسي الذي يضغط لتقليص الهجرة غير النظامية.
وفي المقابل، فإن أي إجراء من هذا النوع قد يُقابل برد فعل جزائري حاد، قد يصل إلى تجميد التعاون الأمني أو الاقتصادي، ما من شأنه أن يُدخل العلاقة الثنائية في نفق أكثر تعقيدًا، في وقت تزداد فيه التوترات في الساحل الإفريقي، ويبرز التنافس الإقليمي والدولي حول النفوذ في المغرب العربي.
علاقات في مفترق طرق
في ظل المؤشرات المتزايدة على اتخاذ قرارات ذات طابع عقابي من الجانب الفرنسي، تبقى العلاقات بين باريس والجزائر عند مفترق طرق حاسم. فإما الخضوع لمنطق التصعيد المتبادل الذي قد يطول ويُعقّد الملفات أكثر، أو التوجه نحو مخرج دبلوماسي أكثر براغماتية، يتفادى انفجارًا دبلوماسيًا لا تُحمد عقباه.
وإلى أن تتضح مآلات التوتر، يبقى تجميد أصول المسؤولين واحتمال تعليق امتيازات قانونية قائمان، في مشهد لا يخلو من حسابات داخلية وخارجية، ويتجاوز البعد الثنائي إلى أبعاد جيوسياسية أوسع.