البرنامج النووي الإسرائيلي.. ما هي المعلومات التي حصلت عليها ايران لتعيد رسم موازين الردع في الشرق الأوسط؟
من سعيد سلامة
لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ في واحدة من أجرأ العمليات الاستخباراتية في التاريخ الحديث، كشفت مصادر إيرانية عن حصول طهران على وثائق دقيقة تتعلق بمواقع تصنيع وتخزين الترسانة النووية الإسرائيلية، في خرق غير مسبوق لواحد من أكثر البرامج العسكرية سرية في العالم. منذ تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي، لم تُقرّ إسرائيل رسميًا بامتلاكها لسلاح نووي، ولم تُخضع منشآتها لأي تفتيش دولي، ما يجعل هذه التسريبات تطورًا استثنائيًا على المستويين العسكري والاستراتيجي.
إسرائيل، التي لا تتجاوز مساحتها الجغرافية مساحة محافظة متوسطة في اي بلد عربي، تواجه تحديًا بنيويًا في تخزين أسلحة استراتيجية على هذا القدر من الخطورة. فمجرد ضربة دقيقة تستهدف منشأة نووية قد تحوّل الداخل الإسرائيلي إلى منطقة منكوبة إشعاعيًا. لهذا، فإن امتلاك طهران لمعلومات مفصلة عن مواقع هذه المخازن يُعدّ تهديدًا مباشرًا لمعادلة الردع، ويضع تل أبيب في مأزق أمني يصعب احتواؤه لوجستيًا وتكتيكيًا.
من فرنسا إلى جنوب أفريقيا.. رحلة السلاح النووي الإسرائيلي
تعود جذور المشروع النووي الإسرائيلي إلى نهاية خمسينيات القرن الماضي، حين دخلت إسرائيل في شراكة سرية مع فرنسا، نتج عنها بناء مفاعل “ديمونا” في صحراء النقب بقدرة 24 ميغاواط. ورغم التغطية الرسمية على المشروع بوصفه “مركزًا لأبحاث النسيج”، فإن الوثائق التاريخية وشهادات مسؤولين – من بينهم شمعون بيريز – أكدت أن فرنسا زوّدت إسرائيل بكل ما يلزم لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع القنابل النووية.
ومع تغير المزاج السياسي في باريس بعد حرب 1967، وجدت إسرائيل نفسها بحاجة إلى حليف بديل. فكانت جنوب أفريقيا – في ظل نظام الفصل العنصري – الشريك المثالي. وتؤكد تقارير استخباراتية أمريكية أن الطرفين تبادلا الدعم النووي، وأجريا تجارب تفجيرية مشتركة، أبرزها ما عُرف بـ”حادثة فيلا” عام 1979 في المحيط الهندي، والتي يُعتقد أنها كانت اختبارًا لقنبلة نووية حرارية مشتركة.
مواقع الترسانة.. خريطة النووي الإسرائيلي
بحسب تقارير استخباراتية غربية وتسريبات متداولة، فإن الترسانة النووية الإسرائيلية موزعة على عدد من المواقع العسكرية والاستراتيجية، أبرزها:
-
مفاعل ديمونا: يُعتقد أنه يضم منشآت إنتاج وتخزين محصّنة للأسلحة النووية.
-
قاعدة تل نوف الجوية: جنوب تل أبيب، وتُستخدم لتشغيل طائرات معدّلة قادرة على حمل رؤوس نووية.
-
قاعدة كفار زخاريا: قريبة من القدس، وتُخزن فيها صواريخ “يريحو 2” و”يريحو 3” في منشآت تحت الأرض.
-
ميناء حيفا: يُستخدم كقاعدة لغواصات “دولفين” الألمانية القادرة على إطلاق صواريخ نووية بحرية ضمن ما يُعرف بـ”الضربة الثانية”.
-
أنفاق جبل الكرمل ومواقع سرية في النقب: يُعتقد أنها منشآت طوارئ لنقل الأسلحة وغرف عمليات محصنة.
ورغم التحصينات الكبيرة، تبقى هذه المنشآت عرضة للاستهداف من قبل الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة الإيرانية من طرازات “شهاب”، “خرمشهر”، و”شاهد-136″، التي أثبتت فعاليتها في ساحات مثل أرامكو وأربيل.
تغيير قواعد اللعبة… بصمت
التسريبات الإيرانية لا تُظهر نية فورية للهجوم، بل تسعى لتغيير موازين الردع القائمة، وإرسال رسالة واضحة: امتلاك المعرفة يعادل امتلاك القدرة. فرغم صمت الإعلام الغربي حيال هذه الفضيحة الاستخباراتية ـ وربما بسببها ـ يبقى السؤال مطروحًا: لماذا يُمنح لإسرائيل ما يُمنع على غيرها؟ .
الجواب يعود إلى موقف إسرائيل من معاهدة حظر الانتشار النووي، إذ لم توقّع عليها قط، ولا تخضع لمنظومة التفتيش الدولية التي تلتزم بها معظم دول العالم، ما يمنحها حصانة سياسية غير معلنة تُغذي ازدواجية المعايير الغربية.
إيران تُعلن مرحلة جديدة من الردع
بينما يستمر تجاهل الإعلام العربي والدولي لهذه القضية، تبدو طهران وقد أرسلت رسالتها بنجاح: الاحتكار النووي الإسرائيلي لم يعد مُطلقًا. والمعلومة الدقيقة قد تكون، في ميزان الردع، أخطر من القنبلة نفسها.