ازمة “خور عبد الله” تهدد أجواء قمة بغداد.. تلويح بمقاطعة خليجية وتوتر متصاعد وضغوط
من سعيد الربيعي
بغداد ـ يورابيا ـ من سعيد الربيعي ـ قبل أيام قليلة من موعد القمة العربية المقررة في 17 مايو/أيار 2025 في العاصمة العراقية بغداد، يخيّم توتر سياسي كبير على الأجواء، وسط تزايد احتمالات مقاطعة أو خفض مستوى الحضور الخليجي، نتيجة تصاعد الخلاف بين العراق والكويت على خلفية أزمة خور عبدالله، والتي أخذت أبعادًا إقليمية متسارعة.
يأتي ذلك بعد أن ألغت المحكمة الاتحادية العليا العراقية، في قرار أصدرته في سبتمبر/أيلول 2023، تصديق البرلمان على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، الموقعة عام 2012 والمصادَق عليها عام 2013، معتبرة أن تمرير الاتفاقية لم يحقق النصاب الدستوري المطلوب من ثلثي أعضاء البرلمان، ما فسّره مراقبون بأنه انسحاب ضمني من الاتفاق الدولي الذي سبق وأُودع لدى الأمم المتحدة.
وأدى القرار إلى موجة ردود فعل خليجية رافضة، تمثلت بإدانات رسمية، واستدعاء سفراء، وبيانات تضامن مع الكويت من السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعُمان، وسط مطالبات بأن يلتزم العراق بقرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار 833 لعام 1993، الذي أعاد ترسيم الحدود بين العراق والكويت بعد الغزو.
شكوى رئاسية وتأجيل جديد
في خضم هذا التوتر، قدّمت رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في العراق طعنًا رسميًا أمام المحكمة الاتحادية ضد الحكم السابق، في محاولة لإعادة الاعتبار لاتفاقية خور عبد الله، وإظهار التزام بغداد بالمعاهدات الدولية. إلا أن المحكمة أجّلت النظر في الطعن مرة أخرى بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2025، ما أبقى الملف في حالة غموض قانوني، وعزز الانطباع الإقليمي بأن الموقف العراقي لم يُحسم بعد.
وفي هذا السياق، راجت تقارير إعلامية عن شروط خليجية لحضور القمة العربية في بغداد، من بينها إلغاء قرار المحكمة أو تقديم تطمينات قانونية ودبلوماسية واضحة بشأن الالتزام باتفاقية خور عبد الله. وذهب بعض المحللين إلى القول إن هناك تهديدات بمقاطعة جماعية للقمة، في حال لم تُبد بغداد مرونة في هذا الملف.
بيان خليجي شديد اللهجة
وعكسًا لهذا التوتر، عقد المجلس الوزاري الخليجي اجتماعه الاستثنائي الـ47 في الكويت، مؤخرًا، بحضور وزراء الخارجية والأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي، وأصدر بيانًا شديد اللهجة، أكد فيه أن حقل الدرة النفطي يقع بالكامل ضمن السيادة الكويتية، وأن خور عبد الله يجب أن يُرسم وفقًا للمعايير الدولية، دون أي تأويلات عراقية. كما شدد البيان على أن الثروات في المنطقة المغمورة المقسومة هي حصرية للكويت والسعودية فقط، داعيًا بغداد إلى احترام الاتفاقيات والقرارات الأممية.
جذور الأزمة
اتفاقية خور عبد الله، التي نُظمت عام 2012 وصدق عليها البرلمان العراقي عام 2013، تستند إلى قرار مجلس الأمن 833 الذي رسم الحدود البحرية بعد غزو الكويت. وتُعدّ الاتفاقية حاسمة لتنظيم الملاحة وتقاسم السيادة البحرية بين الدولتين، لكنها ظلت مثار جدل داخلي في العراق، وُصفت من قِبل بعض القوى السياسية بأنها “تفريط بالسيادة”.
وقد تفاقم الجدل بعد قرار المحكمة الاتحادية الذي فُسِّر بأنه انسحاب قانوني من الاتفاقية، واعتبر في الكويت والخليج خطوة “مهددة للاستقرار الحدودي”، ما استدعى استنفاراً دبلوماسياً لدفع بغداد نحو إعادة النظر في القرار.
ضغوط دبلوماسية واختبار لبغداد
ويُخشى أن يُلقي هذا الملف بظلاله الثقيلة على أجواء القمة، مع وجود مؤشرات واضحة على احتمال مقاطعة أو خفض مستوى تمثيل بعض الدول الخليجية، ما قد ينعكس سلبًا على وحدة الصف العربي في توقيت دقيق تتصاعد فيه التحديات الإقليمية، من الحرب في غزة، إلى محادثات السلام الروسية-الأوكرانية، وملف أمن الطاقة.
وبينما تسعى بغداد إلى إنجاح القمة العربية واستثمارها لتعزيز حضورها الإقليمي، تجد نفسها أمام اختبار دبلوماسي حساس، يتطلب توازنًا بين الالتزامات الوطنية وقرارات القضاء العراقي، وبين الحاجة لطمأنة الجوار الخليجي والتمسك بالعلاقات الاستراتيجية مع دول المنطقة.
إن النجاح في تجاوز هذه الأزمة يتطلب نهجًا مرنًا وحوارًا صريحًا، يراعي السيادة، لكنه لا يفرّط بالاستقرار، ويفتح الباب لتسوية قانونية ودبلوماسية تحفظ الحقوق وتمنع الانقسام العربي في لحظة بالغة الدقة، حسبما يرى مراقبون.