نيويورك تايمز: إسرائيل وإيران تدشنان عصرًا جديدًا من الحرب النفسية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
من سعيد جوهر
,واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران تجاوز حدود المعارك العسكرية إلى ساحة جديدة وغير مألوفة، هي ساحة “الحرب النفسية الرقمية” التي اتُّخذت فيها وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي أدوات رئيسية لبث الدعاية والتضليل. وأضافت الصحيفة أن ما شهدته المنطقة خلال 12 يومًا من المواجهات شكل منعطفًا تاريخيًا في طبيعة الحروب الحديثة، حيث استخدم الجانبان أساليب معقدة في التأثير والتلاعب، لم تكن ممكنة قبل عقد فقط.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن هذه الحرب غير التقليدية بدأت قبل الضربة الإسرائيلية على سجن إيفين سيئ السمعة في طهران في 23 يونيو/حزيران، حيث انتشرت منشورات باللغة الفارسية على منصات X وتيليغرام تدعو الإيرانيين إلى “تحرير السجناء السياسيين” وتُلمح إلى “هجوم وشيك”. وما لبثت أن ظهرت مقاطع فيديو تُظهر انفجارات مزعومة عند بوابات السجن. وبعد تحليل معمق، تبيّن أن الفيديوهات كانت مفبركة، وأنها جزء من عملية نفسية إسرائيلية متقنة صُممت للتأثير على الرأي العام الإيراني.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل وإيران خاضتا صراعًا مزدوجًا — فعليًا على الأرض، ونفسيًا على الإنترنت — في وقت واحد، في تكتيك غير مسبوق منسق بين الهجمات الصاروخية وحملات التأثير الرقمي. وقد تم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء مقاطع صوتية ومرئية تبدو واقعية، وتم ترويجها عبر آلاف الحسابات المزيفة، مما عزز من مصداقيتها وسرعة انتشارها.
وبحسب خبراء تحدثوا لـنيويورك تايمز، فإن الحملة النفسية الإسرائيلية شملت إرسال رسائل باللغة الفارسية تتضمن تشكيكًا في شرعية النظام الإيراني، بل وحتى مقاطع مصورة لنساء إيرانيات مولدات بالذكاء الاصطناعي يروين تجارب مختلقة عن القمع داخل السجون الإيرانية. في المقابل، أرسلت إيران رسائل باللغة العبرية إلى آلاف الإسرائيليين، محذرةً من استخدام الملاجئ العامة، بزعم أن مسلحين فلسطينيين أو لبنانيين ينوون مهاجمتها.
وقال جيمس جيه إف فورست، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة ماساتشوستس لويل، للصحيفة: “نحن ندخل عصرًا جديدًا من حروب النفوذ. لم يسبق في التاريخ أن امتلكت دولٌ هذه القدرات الدعائية عالية الدقة والانتشار والسرعة”. وأضاف أن هذه القدرة تُغير بشكل جذري التوازن النفسي في الحروب.
وأكدت نيويورك تايمز أن إيران لجأت، من جانبها، إلى نشر مزاعم تتعلق بإسقاط ثلاث طائرات إسرائيلية من طراز F-35، ونشرت صورًا تُظهر حطامًا غير دقيق لطائرات لا تعود لسلاح الجو الإسرائيلي، ما تم تفنيده لاحقًا من قبل محللين تقنيين. كما ادعت طهران أسر طيارة إسرائيلية تُدعى “سارة أحرونوت”، لكن تبين أن الصورة تعود لضابطة تشيلية تم التقاطها في 2011.
وفي الوقت ذاته، استمرت الحملة الإسرائيلية من خلال حسابات مزيفة باللغة الفارسية تنشر رسائل على لسان جهاز الموساد، تعرض دعمًا طبيًا وماليًا للإيرانيين المعارضين للنظام. وظهر الصحفي الإسرائيلي الإيراني المخضرم منشيه أمير في مقاطع فيديو يتحدث بالفارسية، زُود بها من قبل فريق يُعتقد أنه على صلة بالموساد، بحسب ما أفاد للصحيفة.
وقالت نيويورك تايمز إن إيران ردّت على ذلك بتحذير رسمي من وزارة الصحة يدعو المواطنين لتجاهل أي تواصل مزعوم من جهات أجنبية. وأضافت الصحيفة أن الحسابات التي تظاهرت بأنها تابعة للموساد نشرت أيضًا محتوى ساخرًا موجهًا للقيادة الإيرانية، من بينها فيديوهات تشير إلى اختراق جهاز الحرس الثوري، مصحوبة بموسيقى مأخوذة من مسلسل الجاسوسية الإسرائيلي الشهير “طهران”.
ورصدت منظمة FakeReporter الإسرائيلية المعنية بمراقبة التضليل الرقمي نشاطًا “غير مسبوق” من جانب إيران، شمل حسابات وهمية، ومقاطع فيديو مزيفة، ورسائل عاطفية موجهة بدقة إلى الجمهور الإسرائيلي. وأكد مديرها التنفيذي، آسيّا شاتز، أن “حجم الحملة، وجودة اللغة العبرية، وتنوع الأدوات المستخدمة تدل على احترافية مقلقة”.
وذكرت نيويورك تايمز أن شركة NewsGuard المتخصصة في التحقق من المعلومات، وثّقت 28 ادعاءً زائفًا نُسبت إلى وسائل إعلام ومؤثرين موالين لإيران، منتشرين على منصات كـ”يوتيوب”، “تيك توك”، و”إكس”. وقد وُجهت هذه الحملة ليس فقط إلى إسرائيل، بل إلى جمهور عربي وغربي أيضًا، في محاولة لتأليب الرأي العام على تل أبيب.
ورأى محللون أن الحرب النفسية المستمرة حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار في 24 يونيو/حزيران تعكس التحول في طبيعة الصراعات الجيوسياسية، إذ لا يقتصر النصر على الأرض، بل يمتد إلى “الفوز السردي” كما قال أحدهم.
واختتمت نيويورك تايمز تقريرها بالتحذير من أن ما يحدث بين إسرائيل وإيران يمثل نموذجًا أوليًا لحروب المستقبل، حيث تندمج الحرب التقليدية مع حملة معلوماتية منظمة قد لا يُرى تأثيرها فورًا، لكنها تؤسس لمرحلة طويلة الأمد من التلاعب بالإدراك العام والتأثير السياسي العابر للحدود.