أقلام مختارة

موقعة “البياجر” السورية وأسماء الأسد… أسلحة روسيا وبراءة الحمير

العالم أمام مفصل تاريخي غيرَ استراتيجيات الحروب والدول مرة والى الأبد. ففي لحظة واحدة انقلبت كل القواعد والاستراتيجيات العسكرية العتيقة.
روسيا تتلقى صفعة عسكرية عنيفة وفاضحة، وكذلك مذلة على أرضها في اليومين الماضيين.
فجأة ودون مقدمات، ضربت أربع قواعد عسكرية في توقيت واحد. والنتيجة كانت كارثية مركبة: عشرات الطائرات الحربية احترقت، وهي واقفة في المطارات الروسية.
في لحظات خرجت طائرات مسيرة صغيرة مجهزة بتكنولوجيا ذكاء اصطناعي ومربوطة مع الأقمار الصناعية ومبرمجة على تدمير الهدف بشكل ذاتي دون أي تدخل بشري.
الطائارات المسيرة اتجهت على الفور لأربع قواعد جوية روسية، منها «دياغيليفو» و»أولينيا»، وهذه القواعد موجود فيها قاذفات نووية وغواصات استراتيجية، فتخيل حجم الكارثة!
المسيرات ضربت أهدافها بدقة مذهلة، وأشعلت النيران في الطائرات الروسية في ثوان. طبعا الخسائر فادحة وبالتأكيد كلفة هذه الطائرات المدمرة تقدر بمليارات الدولارات.
لكن الأهم من الخسائر العسكرية هي سمعة الدولة العظمى وثاني أكبر قوة نووية عالميا.
الهجوم الأوكراني الأخير باستخدام الطائرات المسيرة على القواعد الجوية الروسية هو حدث حقيقي ومؤكد، وقد تم توثيقه من قبل العديد من وسائل الإعلام العالمية الموثوقة.
والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد أن العملية كانت «تاريخية» و»مبهرة» من الناحية الاستراتيجية والنفسية.
ضف الى ذلك أن بضعة آلاف من النقود صرفت على المعدات دمرت مليارات من وسائل الدفاع!
وبغض النظر عمن يقف أو يساعد في هذه المخططات الحديثة والبسيطة، لكن المدمرة، يبقى هذا انتصارا للتكنولوجيا في الحروب الحديثة قد يغير مفهوم الدول التقليدية في الأيام المقبلة.

«بيجر» حزب الله

ما حصل للدولة العظمى، يُذكر تماما بسيناريو تدمير حزب الله اللبناني، بلمح البصر، بعد أن راكم عبر عشرات السنين مناعة دفاعية وعسكرية تعجز كل الجيوش والحروب التقليدية عن القضاء عليها.
وكانت بعض المواد المفخخة والمتفجرة داخل الهواتف النقالة – والتي لا تُكشف عند أي فحص عبر الأجهزة المتعارف عليها، وحتى لدول ومطارات عالمية كشف المادة المفخخة المزروعة وبتقنيات مركبة لخوارزميات خاصة بهذه العملية – كانت كفيلة بإنهاء مئات المليارات من التحصينات الرقابية والدفاعية والعسكرية في دقائق، بل والقيادية كذلك.
التفجير نُفذ عبر رسالة قصيرة للجهاز بتكنولوجيا متطورة أيقظت المادة المخفية المتفجرة، إذ لم تكن بطارية البيجر في ذاتها من أوجد الموجة الانفجارية، بل كانت مادة الليثيوم التي تغذي الجهاز عند استقبال الرسالة المتسببة في التفجير.
وبحدود 4 ثوان، بعد تلقي صوت الاتصال برسالة خطية، انفجرت الأجهزة تلقائيا، سواء في وجه من فتحها أو من لم يفتحها.
طبعا هذه الأعمال الهجومية تحتاج قوات استخباراتية جبارة، وكذلك شراء الجواسيس وتجنيد المتعاملين، مسؤولين ومتعاونين، عسكريين ومدنيين، ومراقبات دؤوبة.
تخيلوا أن العالم أصبح هشا، بل هشا جدا، بحيث يمكن لأي وسيلة من الذكاء الصناعي أن تخترق برامج المواصلات، فتشل كليا آلاف القطارات، وربما تدمر مساراتها، وتقوم طائرة بحجم الكف بتعطيل قواعد وجسور وأنهار ومطارات، وربما دول تمتد على مئات آلاف الكيلومترات. والأخطر من ذلك أن في يد كل واحد منا تقريبا في هذا العالم جهاز موبايل أو بيجر، وهو قنبلة موقوتة يستطيع أي أحد أن يُفعلِها في أي لحظة أو مناسبة!
وقد أصبحت هذه الوسائل التي كنا نظنها خدمة للبشرية سيفا مسلطا فوق رؤوسنا، وبتنا نحن خدما وحشما لها لتنفيذ آلاف المصالح العابرة لعقولنا وقلوبنا وجيوبنا وأماننا!

تطبيق هاتفي يطيح بجيش الأسد

وهذا ما حصل تماما في سوريا، فسيناريو ذكاء صناعي احتاج لاختراقات بسيطة وتعاون جهات مسؤولة لاختراق قوات الأسد، التي وقعت في فخ مدمر قبل سقوطه عبر تطبيق هاتفي وزع سرا بين ضباط الجيش وحوّل هواتفهم الى أدوات فتاكة، فكيف ساهم تطبيق تجسس في اسقاط نظام الأسد؟
في السادس والعشرين من الشهر الماضي نشرت مجلة «نيو لاين» الأمريكية تقريرا صادما عن الضربة القاصمة، التي تلقتها قوات الأسد قبيل بدء عملية ردع العدوان.
تقول المجلة إن الجيش السوري تعرض لهجوم الكتروني متطور أدى الى انهياره بسرعة البرق. بدأت العملية بنشر تطبيق مزيف على هواتف ضباط الجيش، الذين يعانون الفقر والضائقة المالية الخانقة. كان الفخ بسيطا للغاية: «ثبت التطبيق واملأ البيانات واحصل على 40 دولارا شهريا».
هذا التطبيق كان محاكيا ومنسجما مع تطبيق «الأمانة السورية للتنمية» الرسمي، والذي كانت تشرف عليه أسماء الأسد بنفسها. وبمجرد انتشار التطبيق تمكن المخترقون من الوصول الى كامل سجلات المكالمات والرسائل النصية والصور، وحتى تفعيل الكاميرات والميكروفونات، ما جعل الجيش السوري صيدا سهلا لقوات المعارضة، حيث عمل هذا البرنامج على هواتف الضباط لمدة خمسة أشهر كاملة، حسب ما نشرته مجلة «نيو لاينز».
وعلى الرغم من أن المخططين الحقيقيين لهذه العملية، ما زالوا مجهولين، إلا أن المجلة الأمريكية توقعت أن هذا الهجوم وقع من أجهزة استخبارات المعارضة بمساعدة أجهزة استخبارات دولية. وبغض النظر عمن خطط ونفذ وتعاون، لكن النتيجة كانت فوق الوصف، وتسبق حتى شهقة الدهشة.

في اليوم العالمي للحمار

في الثامن من الشهر الماضي صادف اليوم العالمي للحمار، هذا اليوم مناسبة دولية لتسليط الضوء على الدور التاريخي والإنساني العام، الذي لعبه الحمار في حياتنا، فهو حسب الشاعرة شذى عواد، رفيق الرعاة وصديق الفتيات الى الغدران والينابيع، وحمل المسيح الى أورشليم، وجعله الله آية لنبي الله عزير.
وعلى قدر ما كان صبورا سماه العرب «أبو صابر»، ولكثرة اعتمادهم عليه لقبوا الحمارة بـ»أم نافع».
أكتب هذه النبذة، وقد ذكرني بها مقال رائع لزميلنا راشد عيسى في زاويته في «القدس العربي» حول الحمار الفلسطيني يوم أمس.
الحمير، كما نعلم ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية أكثر من كثير جدا من البشر – وخاصة بعض القادة في عالمنا العربي – عبر دورها الأساسي في الزراعة وفي النقل والصناعة.
وتكريمها يعيد الاعتبار لهذا الحيوان، الذي تم تجاهله، ولرفع الوعي حيال التحديات، التي تواجه هذا المخلوق، كالإجهاد الناتج عن الاشغال الشاقة وغياب الرعاية البيطرية والإهمال ولمعاملتها باحترام وتقدير ورأفه، فهو ساهم ويساهم في الحضارة البشرية أكثر من كثير من البشر ممن يستعبدون اخوتهم في الإنسانية وينشرون العنصرية والكراهية ويشعلون الحروب الطائفية والمصلحية، وما زالوا دون أن يرقوا الى مرتبة هذا المخلوق المسالم.
واعترافا بجميله، فقد كانت لنا معه صولات وجولات في طفولتنا، فكم نقلنا على ظهوره البذور والأحمال، وكم رأيناه يجوب القرى ليلا ونهارا ويحمل المتاع، وكم كان له من أفضال على الفلاحين في كل ربوع العالم.
فكل عام وهذا الكائن البعيد عن أذى البشر بخير.

 كاتب من أسرة «القدس العربي»

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى