شمال أفريقيا

ليبيا بين خريطة الطريق السياسية والانفلات الأمني.. عقيلة والمشري يبحثان تشكيل حكومة جديدة والدبيبة يحذّر من دولة داخل الدولة

من سعيد السويحلي

طرابلس ـ يورابيا ـ من سعيد السويحلي ـ في مشهد يعكس تعقيد المشهد السياسي والأمني في ليبيا، التقى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، اليوم الإثنين، مع خالد المشري، الذي لا يزال يواجه تنازعًا على رئاسة المجلس الأعلى للدولة من قبل محمد تكالة. اللقاء، الذي لم يُعلن عنه مسبقًا ولم يكشف المركز الإعلامي لرئيس البرلمان عن مكان انعقاده، ناقش بحسب بيان رسمي، ما وُصف بـ”الخطوات العملية لوضع خريطة طريق واضحة لاختيار حكومة جديدة موحدة، تمهيدًا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة”.

ويأتي هذا اللقاء في سياق سلسلة طويلة من الاجتماعات التي جمعت صالح والمشري خلال الأعوام الماضية، والتي غالبًا ما كانت تنتهي دون اختراق حقيقي في الجمود السياسي المستمر. فرغم التفاهمات المتكررة، ظل المسار الانتخابي في حالة شلل، وتعثرت كل محاولات توحيد السلطة التنفيذية أو الاتفاق على قاعدة دستورية واضحة تقود البلاد نحو صناديق الاقتراع.

وفي موازاة هذا الحراك السياسي، أطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تصريحات لافتة، قد تعكس جانبًا آخر من المأزق الليبي، هذه المرة في الشق الأمني. وفي مقابلة مع قناة “ليبيا الأحرار”، وصف الدبيبة الجماعات المسلحة بأنها تحولت إلى “دولة داخل الدولة”، موضحًا أنها تمتلك ترسانة من الأسلحة تتجاوز ما تملكه الدولة نفسها، وتستغل ذلك للابتزاز وفرض الأمر الواقع.

وبحسب الدبيبة، فإن بعض هذه التشكيلات قامت بـ”توريد الأسلحة عبر الطائرات من دول خارجية، دون علم مؤسسات الدولة”، محذرًا من أن هذه الأنشطة تشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة ليبيا ووحدة مؤسساتها. كما جدد التزام حكومته بمواصلة ما وصفها بـ”العملية الأمنية” لبسط سلطة الدولة على كامل التراب الليبي، دون الخضوع لأي تشكيل مسلح، أيًّا كان ولاؤه أو مرجعيته.

هذه التطورات المتزامنة تعكس التباين بين مسارين متوازيين لا يلتقيان: الأول سياسي يسعى نظريًا نحو تشكيل حكومة جديدة عبر توافقات شكلية بين الأجسام السياسية القائمة، والثاني أمني ميداني، تعيش فيه الدولة حالة من التحدي المستمر أمام سطوة الميليشيات والتشكيلات المسلحة التي باتت تتحكم بالواقع اليومي في العاصمة طرابلس ومناطق أخرى.

وفيما يُنظر إلى لقاء عقيلة والمشري كمحاولة أخرى لإعادة ترتيب الأوراق السياسية، يرى مراقبون أن غياب أي تمثيل حقيقي للقوى العسكرية المسيطرة على الأرض يجعل أي حكومة جديدة – حال تشكيلها – بلا قدرة فعلية على فرض قراراتها أو ضمان تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية. في الوقت نفسه، يُنظر إلى تصريحات الدبيبة على أنها إما تمهيد لتصعيد أمني ضد بعض التشكيلات، أو رسالة ضغط داخلية وخارجية تعيد التأكيد على أن بسط السيادة لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار عسكرة الدولة.

تظل ليبيا عالقة في مفترق طرق: بين مساعٍ خجولة لترتيب البيت السياسي من جهة، وتفاقم للفوضى الأمنية من جهة أخرى. وفي غياب قاعدة دستورية متفق عليها، وتعدد مراكز النفوذ المسلحة، يبدو أن الطريق نحو الاستقرار لا يزال محفوفًا بالتعقيدات، ما لم يتحقق توافق حقيقي يعيد للمؤسسات اعتبارها، ويضمن إخراج البلاد من دوامة الانقسام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى