صحف

لا للهجوم على إيران

افتتاحية هآرتس

إن إسرائيل غارقة حتى العنق في غزة، وتتورط في كارثة إنسانية، هي نفسها مَن تسبّب بها، ومن دون أفق لتحرير أسراها. وفي الوقت عينه، تتسع دائرة الإدانة والمقاطعة الدولية، يوماً بعد يوم. وفي خضم هذا كله، أفاد تقرير لصحيفة “النيويورك تايمز” أمس، نقلاً عن مصادر، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هدد بشن هجوم على إيران، على الرغم من المحادثات الجارية بين طهران وواشنطن للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، الأمر الذي أدى إلى توتُّر في العلاقات مع الرئيس دونالد ترامب.
ووفقاً للتقرير، حذّر مسؤولون إسرائيليون نظراءهم الأميركيين من أن نتنياهو قد يُصدر أمراً بشن هجوم، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق مع إيران. وقد نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ذلك، مدّعياً أنها “أخبار كاذبة”. هناك مخاوف في الولايات المتحدة من تنفيذ إسرائيل هجوماً، تُعلم به واشنطن قبل وقت قصير فقط. ويتساءل الأميركيون عن مدى فاعلية هجوم إسرائيلي أحادي الجانب، لكن مصادر مقربة من نتنياهو أعربت عن ثقتها بأن واشنطن لن تتمكن من البقاء خارج المعركة.
هناك مَن يراهن في إسرائيل على أن الولايات المتحدة ستنجرّ إلى المواجهة، حتى لو عارضتها في البداية، وهذا يدل على سياسة خارجية متهورة وخطِرة. لكن الأسئلة الصعبة يجب أن تُطرح أولاً في إسرائيل: هل هناك أي ضمانات للحماية من ردّ إيراني، وبصورة خاصة إذا تم الهجوم من دون دعم أميركي؟ وهل إسرائيل مستعدة أصلاً لمثل هذا الرد؟
إن هوس نتنياهو بمهاجمة إيران يلاحقه ويلاحق إسرائيل منذ عقود. فهو لم يثق قط بالاتفاق النووي الأصلي، وضغطَ بقوة على ترامب للانسحاب منه، الأمر الذي ساهم في تصعيد الخطر فعلياً. وبدلاً من التعلم من العواقب الكارثية للانسحاب من الاتفاق، يواصل نتنياهو الضغط في اتجاه المواجهة. حتى عندما يفضّل ترامب نفسه استنفاد الوسائل الدبلوماسية، يُصرّ نتنياهو على الدفع في اتجاه الحرب. لا يجوز الانجرار وراء جنونه. فالهجوم الإسرائيلي على البنية التحتية النووية الإيرانية سيؤدي، على الأرجح، إلى حرب شاملة. ويبدو كأن نتنياهو ما زال غارقاً في الغرور، حتى بعد فشل 7 أكتوبر، ويُعرّض مستقبل مواطني إسرائيل لكارثة جديدة..
إن ازدراء نتنياهو للدبلوماسية هو سِمَتُه البارزة. ويجب تذكير الجمهور بأن أي اتفاق يقيّد البرنامج النووي ويُعيد فرض الرقابة عليه، أفضل كثيراً من الحرب. من الضروري استنفاد الحلول الدبلوماسية ووقف الحديث غير المسؤول عن هجوم. لا يمكن، ولا ينبغي لإسرائيل أن تتصرف بمفردها، سواء تم التوصل إلى اتفاق جديد، أم لا..
في ظل الوضع الحالي، إذ يترأس الحكومة رجل يسعى لحكم أبدي، ويحيط به وزراء يدفعون نحو حرب أبدية، يجب على الجمهور الإسرائيلي أن يفهم أن التهديد المباشر والأخطر لأمنه لا يكمن في طهران، بل في القدس.

هآرتس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى