قوات الأمن الصومالية تخيّب آمال الدول المانحة مع تقدّم حركة الشباب
نيروبي ـ وكالات ـ رغم الدعم الدولي الذي حصل عليه بمليارات الدولارات، ينهار الجيش الصومالي أمام هجوم مستمر منذ أشهر تشنّه حركة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة فيما ينفد صبر الجهات المانحة.
واستعاد عناصر حركة الشباب في السابع من تموز/يوليو بلدة موكوكري معتمدين على مئات المقاتلين ومركبة محمّلة بالمتفجرات استُخدمت لتنفيذ هجوم انتحاري، في آخر حلقة ضمن سلسلة الهزائم التي مُنيت بها الحكومة هذا العام.
منحتهم الخطوة موقعا جغرافيا استراتيجيا لشن هجمات على منطقة هيران لكنها شكّلت أيضا انتصارا رمزيا قويا على ميليشيا محلية اعتُبرت “أفضل قوة مقاتلة” تابعة للحكومة في مواجهة حركة الشباب، بحسب عمر محمود من مجموعة الأزمات الدولية.
وتخوض الحكومة الصومالية معارك ضد الجماعة الإسلامية منذ بدايات الألفية ومرّت بفترات شهدت فيها انتصارات وانتكاسات، لكنها حاليا تواجه وضعا مثاليا يتمثّل بتراجع الدعم الدولي ومعنويات الجيش على حد سواء واقتتالات داخلية.
اعتمدت الحكومة على مليشيات محلية تعرف باسم “ماكويسلي” في حملتها الناجحة في 2022-23، إذ انتزعت نحو 200 بلدة وقرية من حركة الشباب.
لكن هجوم المتمرّدين المضاد هذا العام ساعدهم على استعادة حوالى 90 في المئة من أراضيهم التي خسروها، بحسب تقديرات رشيد عبدي من مركز “ساهان للبحوث”.
وسقطت في أيدي الحركة بلدات كان يفترض أنها نماذج للاستقرار على غرار مساجد عالي غادود وأدان يابال. كما تدمّرت ثلاثة جسور على نهر شبيلى تعد حيوية بالنسبة إلى خطوط الإمداد العسكري.
وقال عبدي لفرانس برس إن “المنطقة بأكملها من شمال غرب حتى جنوب غرب مقديشو باتت حاليا خاضعة بمعظمها لسيطرة حركة الشباب”.
وأشار إلى أن حملة “ماكويسلي” انهارت، نظرا إلى أن حكومة الرئيس حسن شيخ محمود “تفتقر بشكل كبير إلى المهارة في التعامل مع القبائل” إذ تدعم بعضها وتتجاهل أخرى بناء على المحسوبية السياسية لا الحاجات العسكرية.
وأفاد عضو ميليشيا محلية في هيران يدعى محمد حسن فرانس برس بأن “التعبئة مضت بشكل جيد عندما قدم الرئيس من مقديشو لبدء المرحلة الأولى من الهجوم (عام 2022). كان الجميع يشاركون بشكل كبير في القتال.. يساعدون الجيش الوطني”.
وأضاف “لم يعد الأمر هكذا نظرا إلى أن القيادة لم تعد مهتمة ويبدو أن هناك سوء تنظيم في ما يتعلق بطريقة تعبئة الميليشيات المحلية”.
“غير فعال”
لم يقم الجيش الوطني الصومالي بالكثير لضبط المتمرّدين، وهو أمر غير مفاجئ بالنسبة إلى قوة “ما زالت في مرحلة التطور بينما تحاول خوض حرب في الوقت ذاته”، بحسب المحلل محمود.
وأضاف عبدي أن ذراعه الأكثر فعالية، وحدة “داناب” المدرّبة من الولايات المتحدة، أفضل في القضاء على المقاتلين من السيطرة على الأراضي بينما تعرّضت إلى خسائر في صفوف الضباط.
وقال “بدأنا نرى جيشا ليس غير فعّال فحسب، بل لم تعد لديه الرغبة في القتال”.
تنبع هذه المشاكل من حالة الفوضى الأوسع في المشهد السياسي الصومالي حيث لم تقد مجموعة المطالب المختلفة للقبائل قط إلى توافق وطني.
وتعهّدت الحكومة تحرّك عسكري جديد، لكن الرئيس يركّز حاليا على إجراء أول انتخابات بالتصويت المباشر وفقا لمبدأ “شخص واحد، صوت واحد” العام المقبل.
وقال دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته إن ذلك “لن يحصل”. وحتى في مقديشو، حيث تعد الإجراءات الأمنية مشددة أكثر، “يمكن لأي مركز اقتراع أن يتعرض لتفجير”.
وأفاد الرئيس السابق شريف شيخ أحمد الصحافيين مؤخرا “إنه أمر مؤسف بأن الأنظار انصرفت باتّجاه مسائل غير مهمّة مرتبطة بالسياسة لا تساعد الأمن بدلا من التركيز على تعزيز القوات المسلحة”.
ولم تطلق حركة الشباب هجوما كاملا على العاصمة، لكنها كشفت مرارا عن حضورها.
سجّل عدد قياسي من الطلقات العشوائية التي تستهدف المطار، بحسب الدبلوماسي، بينما نجا الرئيس من هجوم استهدف موكبه خارج القصر الرئاسي في آذار/مارس.
كما أن الحركة تسيطر على الجزء الأكبر من الاقتصاد.
وقال عبدي إن عائدات حركة الشباب “تتجاوز إيرادات الدولة إذ تمتد أذرعها التجارية في كل مكان.. إنها واحدة من حركات التمرّد الأكثر ثراء في إفريقيا”.
شعور بالكلل في أوساط المانحين
في الأثناء، بدأ صبر داعمي الحكومي الخارجيين ينفد.
ودفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر من سبعة مليارات دولار على أمن الصومال، خصوصا على مختلف البعثات التي يقودها الاتحاد الإفريقي، منذ العام 2007، بحسب معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية.
وانتهت مهام بعثة الاتحاد الإفريقي السابقة في كانون الأول/ديسمبر، لكن تقرر استبدالها فورا بأخرى جديدة اسمها “بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال” (أوسوم)، نظرا إلى أن القوات الصومالية غير مستعدة بعد لتولي مهامها.
وقال الدبلوماسي “هناك كم كبير من الكلل في أوساط المانحين. يتساءل الناس: +ما الذي حققناه خلال السنوات العشر الأخيرة؟+. رؤية الجيش يهرب والاضطرار إلى (إنشاء) أوسوم كان أمرا صعبا حقا بالنسبة إلى الناس”.
يتردد المانحون، خصوصا واشنطن، في مواصلة تمويل بعثة الاتحاد الأوروبي.
ويقدّر محمود من مجموعة الأزمات بأن البعثة ستجمع بصعوبة ثلثي التمويل الذي تحتاج إليه للعام 2025 وهو “ما يكفي لإبقائها قائمة… لكن هناك عجز مزمن واضح”.
أبرمت الصومال اتفاقات مع شركاء أجدد مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر. من جانبها، نشرت تركيا نحو 500 جندي مدعومين بمسيّرات، لتعزيز أمن مقديشو.
لكن محمود، المحلل، يؤكد أن هذه الجهات مهتمة بحماية الاستثمارات مثل مشروع تركي مقترح لإقامة منشأة لإطلاق الصواريخ إلى الفضاء، بدلا من مواجهة حركة الشباب.
ويؤكد عبدي بدوره “نحن أمام وضع قاتم جدا”.