انّها محرقة في غزّة. والفارق بين محرقة النازيّين ومحرقة غزّة أنّ الفعالين في غزّة يزهون. لا يُخفون ولا يتكلّمون عنها بالترميز. يُعلنون جهاراً أنّهم سيجوّعون أهل غزة ويجعلون حياتهم جحيماً.
في خبر عادي ومن دون تعليق، تقول «نيويورك تايمز» اليوم، بلهجة عاديّة (هذا ما عنَته حنة آرندت بـ «عاديّة الشرّ»): «لقد أنهت إسرائيل اليوم الحصار على الطعام الذي استمرّ لثمانين يوماً».
لا أذكر مرّة دولةً جاهرت بحصار الطعام والماء على شعب. لو أنّ الحكومة معادية لإسرائيل كانت حكومات الغرب وإعلامها قد دعت إلى مظاهرات عارمة وحفلات استنكار في كلّ الجمعيات الدوليّة. كانت جولييت بينوش قد قصّت شعرَها استنكاراً. العامل الذي يمنّ على إسرائيل بهذه القُحّة هو الدعم الأميركي المُطلق، بصرْف النظر عن الحالة والزمان.
والدعْم الأميركي لإسرائيل يزداد شراسة. لو راجعنا يوميات رونالد ريغان عن حصار بيروت في ١٩٨٢، لوجدنا كلاماً أكثر حِدّة من إدانات السيناتور برني ساندرز (الذي يحمي إسرائيل من خلال:
١) التمنّع عن استعمال وصْف الإبادة.
٢) يحمّل فقط شخص نتنياهو المسؤوليّة). ترى كلّ يوم صوَراً لحرْق اللّاجئين في خيَمهم أو في أكواخهم، وترى مشاهد الأطفال يستَجْدون طبق طعام وتشعر أنّ العالم العربي استقال من عروبته، وأنّ الأمّة الإسلامية استقالت من إسلامها. هم استقالوا من إنسانيّتهم.
تأخذ لبنان على سبيل المثال (وهو أسوأ مثال؛ لأنّ مثقّفيه، خلافاً لكلّ الدول العربيّة، لا يكترثون لفلسطين ولأنّ رئيس حكومته قرّر في حمأة حرب الإبادة تكريم محمود عبّاس): رقّصات فرقة «مياس» تستثير مشاعره وأحاسيسه أكثر من مشاهد حرْق للأطفال على الهواء مباشرة.
هي محرقة نازية، لا تختلف عنها. لو أنّ يهوديّاً تعرّض للضرب في مدينة عربيّة (وهذا لا يجوز طبعاً؛ لأنّ صراعنا ليس ضدّ اليهود، وقد شارك الكثير منهم في الاحتجاجات ضدّ إسرائيل حول العالم) لتنطّحَ كلّ اللّيبراليّين العرب لِطَلب التدخّل العسكري الغربي ضدّ الدولة والمجتمع في المكان الذي ارتُكب فيه الاعتداء.
هؤلاء مُستبطنون لعنصريّة الغرب وصهيونيّته (ولهذا يتلقّون التمويل-عبر إعلامهم-من حكومات الغرب وسوروس أو من الخليج).