السلايدر الرئيسي

طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يطردون السفير الأمريكي الأسبق لدى تل أبيب بسبب تأييده لإسرائيل ويُجبرونه على الرحيل

من سعيد هنداوي

القاهرة ـ يورابيا ـ من سعيد هنداوي ـ في مشهد نادر من الإجماع الطلابي والحشد الجماعي، اهتزت أروقة الجامعة الأمريكية في القاهرة، هذا الأسبوع، على وقع احتجاج واسع النطاق قاده مئات الطلاب رفضًا لاستضافة دبلوماسي أمريكي سابق عُرف بتأييده الصريح لإسرائيل، وبدوره المثير للجدل خلال الغزو الأمريكي للعراق.

الاحتجاج، الذي نظمه عشرات الكيانات الطلابية داخل الحرم الجامعي، جاء اعتراضًا على استضافة دانيال كيرتزر، السفير الأمريكي الأسبق لدى تل أبيب، ضمن فعالية أكاديمية نظمتها كلية الشؤون العالمية والسياسات العامة. ولكن ما كان مُقررًا كمحاضرة “تثقيفية”، تحوّل إلى لحظة مواجهة سياسية، ومشهد من العصيان الطلابي، دفع الدبلوماسي الأمريكي إلى مغادرة الحرم الجامعي سريعًا، وسط شعارات تندد بتواطئه مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي.

كيرتزر في مرمى الغضب الطلابي

كيرتزر، الذي شغل منصب سفير واشنطن لدى إسرائيل بين عامي 2001 و2005، اعتُبر رمزًا للسياسات الأمريكية المنحازة لتل أبيب، لاسيما خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والعدوان المتكرر على قطاع غزة. كما ارتبط اسمه بدور بارز في تسويق الرواية الأمريكية قبيل غزو العراق، ما جعل وجوده في الحرم الجامعي، بحسب الطلاب، “استفزازًا صارخًا لمشاعر مجتمع أكاديمي يدّعي التزامه بالعدالة والحرية”.

حراك غير مسبوق… أكثر من أربعين كيانًا طلابيًا في خندق واحد

اللافت في الاحتجاج لم يكن فقط حجمه، بل طبيعته غير المسبوقة. إذ أعلن اتحاد طلاب الجامعة الأمريكية أن أكثر من 40 كيانًا طلابيًا توحّدوا للمرة الأولى منذ سنوات، في موقف مشترك ضد التطبيع الأكاديمي مع رموز ترتبط بشكل مباشر بجرائم الحرب والتمييز العنصري.

الطلاب رفعوا أعلام فلسطين ولافتات تُدين الاحتلال، وسط هتافات لم تهدأ على مدار ثلاث ساعات متواصلة، أعلنوا خلالها صراحة رفضهم القاطع لأي استضافة لأشخاص “يمثلون مؤسسات تلطخت أيديها بدماء المدنيين الفلسطينيين”.

الجامعة تجاهلت التحذيرات… فتكفل الطلاب بالرد

الاحتجاج الطلابي لم يكن مفاجئًا، بل جاء بعد مراسلات وتحذيرات مسبقة من اتحاد الطلبة إلى إدارة الجامعة، طالبوا فيها بإلغاء المحاضرة احتراما لقيم العدالة التي تروج لها الجامعة. ورغم الحجج الأخلاقية التي قُدمت، اختارت الإدارة المضي قدمًا في استضافة كيرتزر، لتجد نفسها لاحقًا في مواجهة غضب طلابي عارم أجهض الفعالية قبل أن تبدأ فعليًا.

وفي بيان مشترك، أوضح الطلاب أن القضية لا تتعلق بحرية التعبير أو التعدد الأكاديمي، بل بما وصفوه بـ”المسؤولية الأخلاقية” التي تفرض على الجامعات أن لا تكون منبرًا لتلميع أنظمة الفصل العنصري أو منح الشرعية لسياسات الإبادة الجماعية.

الهتاف لا يسكت والرسالة واضحة: “الحياد تواطؤ”

من أبرز الشعارات التي رددها الطلاب أثناء الوقفة الاحتجاجية: “الصمت خيار، والحياد في وجه الظلم تواطؤ”. وبهذا الشعار، أراد المحتجون توجيه رسالة مباشرة لإدارة الجامعة، وللأوساط الأكاديمية الأوسع، مفادها أن التظاهر ليس فعلًا فوضويًا، بل شكلٌ من أشكال المساءلة الأخلاقية.

الطلاب أكدوا أن تضامنهم مع فلسطين ليس موقفًا سياسيًا عابرًا، بل هو جزء من التزامهم الإنساني تجاه قضايا العدالة، خاصة في ظل التصعيد الدموي المستمر في غزة منذ أكتوبر 2023، والذي خلّف عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.

كيرتزر يغادر… والجامعة في مأزق

في نهاية اليوم، لم تُعقَد المحاضرة، ولم يُسمع صوت كيرتزر، لأن صوت الطلاب كان أعلى. ومع تصاعد الضغط والهتافات، غادر الدبلوماسي الأمريكي مبنى الجامعة دون الإدلاء بأي كلمة، تاركًا وراءه إدارة أكاديمية تجد نفسها في موقف محرج، بعد أن فشلت في احتواء الغضب الطلابي أو تقدير حساسية اللحظة السياسية.

رسائل تتجاوز أسوار الجامعة

ما حدث في الجامعة الأمريكية في القاهرة لا يمكن قراءته بمعزل عن موجة الغضب الطلابي العالمي الذي يشهده عدد من الجامعات الغربية والعربية منذ اندلاع العدوان على غزة. هذه الموجة، التي تجاوزت المطالب الإنسانية إلى نقد علني للأنظمة السياسية والأكاديمية، تعيد تعريف مفهوم الحرية الأكاديمية، وتطرح تساؤلات عميقة حول علاقة الجامعات بالنزاعات الدولية والعدالة العالمية.

الطلاب المصريون، بوقفتهم الصلبة، لم يرفضوا فقط محاضرة، بل وضعوا خطوطًا حمراء واضحة: لا شرعية للتطبيع، ولا مكان للمجرمين السياسيين في الحرم الجامعي، أيًا كانت صفاتهم الدبلوماسية أو الأكاديمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى