كواليس واسرار

تنظيم الدولة الإسلامية ينتقل من “الخلافة الإقليمية” إلى “الخلافة الرقمية” وسط تهديد متنامٍ للأمن العالمي

من سعيد سلامة

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ يرى المعهد الإيطالي للشؤون الدولية  أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد دخل مرحلة جديدة من التحول الاستراتيجي، متخليا عن مفهوم “الخلافة الجغرافية” لصالح نموذج لا مركزي قائم على الشبكات، تغذيه الدعاية الرقمية العابرة للحدود، والمرونة العملياتية المتزايدة لولاياته المنتشرة في مناطق الصراع المختلفة.

من الهيمنة الإقليمية إلى التمدد الشبكي

في ورقة تحليلية حديثة صادرة عن المعهد، جاء أن التنظيم – رغم خسارته معظم معاقله في العراق وسوريا – لم يُهزم فكرياً أو تنظيمياً. بل قام بإعادة هيكلة نفسه وفق نموذج جديد من الجهاد العالمي الشبكي، يتسم بتفويض موسع لولاياته في مناطق متعددة، منها ما يتركز في آسيا الوسطى، وأفغانستان، والساحل الإفريقي، ومناطق من جنوب آسيا.

ولاية خراسان: مركز الثقل الجديد للتنظيم

تشير تحليلات المعهد إلى أن “ولاية خراسان” تمثل اليوم أخطر أذرع التنظيم، وأكثرها ديناميكية. هذا الفرع، المتمركز في أفغانستان، ويقوده ما يُعرف بـ”المهاجر” – وهو قائد سابق بحركة طالبان الباكستانية – يبدو أنه تخلى فعلياً عن نموذج السيطرة الإقليمية، مفضلاً تكتيكات حرب العصابات والهجمات الرقمية منخفضة التكلفة والتجنيد الإلكتروني.

وقد عززت “العزايم”، الذراع الإعلامي للتنظيم، هذه الاستراتيجية بنشر محتوى متعدد اللغات (البشتو، الداري، الروسية، التركية وغيرها)، ما يدل على رغبة واضحة في التوسع خارج المجال التقليدي.

الإرهاب الرقمي بدل المادي: مؤشرات على تطور نوعي

يرى خبراء المعهد أن تنظيم داعش يعمد حالياً إلى نشر دعايته عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل تلغرام، وتيك توك، وإنستغرام، مستهدفاً فئة المراهقين على وجه الخصوص، باعتبارهم الأكثر قابلية للتأثر. وتوثّق التقارير الأمنية في أوروبا عدداً من الحالات التي ثبت فيها ارتباط منفذي الهجمات بجهات تجنيد رقمية تابعة للتنظيم.

من بين هذه الحالات:

  • توقيف مراهق شيشاني في فرنسا في يونيو 2024 كان يخطط لهجوم انتحاري خلال مباراة في يورو 2024.

  • اعتقال ثلاثة مراهقين في فيينا في أغسطس من نفس العام بعد التخطيط لهجوم على حفل للمغنية تايلور سويفت، ما دفع السلطات لإلغاء الحدث.

ويؤكد المعهد أن هذا التطور يدل على قدرة التنظيم على التكيف والاختراق المجتمعي بصيغ جديدة تتجاوز التهديدات العسكرية التقليدية.

الولايات الأخرى: تباين في التوجهات

على الرغم من تقاسم معظم الولايات لهدف “الجهاد العالمي”، يوضح المعهد أن كل ولاية تتصرف وفق مقتضيات سياقها الإقليمي. ففي إفريقيا، لا تزال بعض فروع التنظيم، مثل “ولاية الصحراء الكبرى” و”ولاية موزمبيق”، تركّز على السيطرة الجغرافية والعمليات الميدانية المباشرة، خلافاً للفرع الخراساني.

هذا التباين، بحسب IAI، يمثل أحد عوامل قوة التنظيم، حيث لا توجد بنية جامدة واحدة، بل تنوع تكتيكي يضمن له الاستمرارية في ظل الضغوط الدولية.

تحولات إقليمية تغذي تصاعد التنظيم

يؤكد المعهد أن صعود ولاية خراسان يستند إلى فجوات أمنية عميقة في الإقليم، لا سيما في أفغانستان التي تواجه فراغًا سياسيًا بعد انسحاب القوات الغربية، وتزايد المواجهات بين طالبان وجماعات مسلحة أخرى.

كما تساهم التوترات مع باكستان، وقرارها في 2023 طرد مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان، في خلق بيئة خصبة لتجنيد عناصر جدد عبر استغلال المظالم الإنسانية والاجتماعية.

المخاطر الرقمية وتحدي المواكبة

يشير تقرير IAI إلى أن التنظيم يمتلك قدرة متقدمة على تجاوز القيود الرقمية، مستفيداً من المرونة التقنية مثل تغيير أسماء النطاقات أو إنشاء روبوتات نشر على تطبيقات مثل تلغرام.

ففي أبريل 2025، تم توثيق حساب على تيك توك يحتوي على مقاطع لصنع متفجرات، وروبوت على تلغرام يوزع كتيبات باللغة العربية والروسية حول تنفيذ هجمات فردية.
ورغم جهود شركات التكنولوجيا، إلا أن التنظيم يستمر في إيجاد نوافذ اختراق رقمية مستمرة.

التوصيات الاستراتيجية

يحذر المعهد من أن العالم يواجه اليوم نسخة أكثر مرونة وخفاءً من تنظيم الدولة الإسلامية، تتطلب استجابات غير تقليدية تتعدى الحلول الأمنية الكلاسيكية.

ويؤكد المعهد على:

  1. أهمية التعاون الدولي في مجال مكافحة الدعاية الرقمية المتطرفة.

  2. تطوير أدوات تكنولوجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة المحتوى الخطير فور نشره.

  3. تعزيز الشراكة مع المبادرات المستقلة مثل Tech Against Terrorism ومشروع مكافحة التطرف (CEP).

  4. دعم البرامج الوقائية التي تستهدف فئة الشباب والمراهقين المعرّضين للتجنيد عبر الإنترنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى